الفرصة، قد تكون أثمن ما يخسره المرء في حياته. والفرصة حطت في اليمن لمرتين، الأولى حينما ارتفعت بعض الأصوات المخلصة في مجلس التعاون - نهاية ثمانينيات القرن الماضي - تنادي معززة بالإعلام المسؤول، بضرورة هيكلة اقتصاد اليمن وتنمية موارده الطبيعية والارتقاء بكوادره الوطنية المهنية والفنية، بغية تأهيله الانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي كعضو فاعل ورافد بشري واقتصادي يمكنه تدريجياً أن يشكل إضافة في أكثر من مجال. وخير مثال على ذلك، ما فعله الاتحاد الأوروبي من تأهيل لبولندا ولاتفيا واستونيا، وإيرلندا حالياً، من أجل العضوية الأوروبية. لكن الأمر بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي ظل في حدود النوايا الخيّرة والحسنة، وعزى المراقبون العارفون أن هنالك بعض «المخاوف» لدى بعض أعضاء مجلس التعاون الخليجي من ألا يكون اليمن كما يعوّل عليه من آمال سياسية واقتصادية وجيوسياسية، من ألا يكون في مستوى التوقع، وتلك «المخاوف» كانت مرتبطة بمرحلتها الزمنية.. هل كانت تلك المخاوف الخليجية سليمة؟ الأحداث التي وقعت لاحقاً أثبتت أن اليمن وبذهنيته السياسية الحاكمة آنذاك والقائمة على الفوضى والفساد، ما كان ليكون مفيداً لا لنفسه ولا لجواره الخليجي، بل ربما كان سيكون، بشكله ذاك، عبئاً ثقيلًا.. الفرصة الثانية كانت «الحرب السادسة» حينما شنت الدولة اليمنية 2009 -2010 حملة عسكرية على «الحوثيين» في معقلهم «صعدة» و«جبال مران»، وذلك قبل مغادرة علي عبدالله الحكم في إطار «المبادرة الخليجية».. تلك الحملة العسكرية على «الحوثيين»، رغم أن الغلبة فيها كانت للجيش الوطني اليمني، إلا أنها لم تثمر لأسباب عدة.. الفرصتان الأولى والثانية طارتا ولم تستفد منهما لا الدولة اليمنية ولا الشعب اليمني ولا مجلس التعاون الخليجي.. الأولى طيّرها عدم استعداد الداخل اليمني ممثلاً بالسلطة، للنهوض باقتصاد البلاد وتنمية الموارد وضبط الفوضى والفساد المالي والإداري، وغياب الرؤية الواضحة لدى القيادة السياسية اليمنية. والثانية طيرتها عدم الجدية والنية غير السليمة في الحملة العسكرية في 2009 التي بدت «تأديبية» للحوثيين، بل ما انكشف من حقائق لاحقاً أثبت أن الرغبة الصادقة لم تكن موجودة لا لدى القيادة السياسية اليمنية، ولا لدى القيادة العسكرية في الميدان، لتصبح تلك الحملة أقرب إلى المسرحية منها إلى معالجة قضية خطرة. «عاصفة الحزم» جاءت بعد صمت طويل ووقت أطول على ما فعله «الحوثيون» في اليمن، وكان أبريل العام الماضي علامة فارقة بين الشهور على أكثر من مستوى، أوله وضع الفعل مكان القول، الذي نفد عن آخره وأُغلق بابه. واليوم، يُفتح باب جديد في العاصفة المستمرة، فنحن على موعد خلال هذه الآونة مع جولة مفاوضات هي الثانية، لكن الأولى في بلد خليجي هو الكويت، ولا يسع المرء المخلص الغيور إلا الدعاء أن تكون الأطراف جدية وصادقة وتستدعي الحكمة اليمانية الخصبة، فهي تصلح لزماننا ومكاننا. نحن نضم تفاؤلنا إلى تفاؤل الكويت البلد المضيف والمستبشر، فللأمكنة قوتها الإيجابية.