جاء البيان الختامي لمؤتمر القمة الإسلامي في اسطنبول توافقياً كالعادة، وظهرت بين سطوره العبارات الحذرة، المصاغة بدقة سعياً لعدم إثارة غضب أي طرف إسلامي. فالنزاعات ما زالت تتسع دوائرها، والخلافات تضرب العلاقات بين الدول الإسلامية، ومعظم الملفات يتم ترحيلها إلى الدورة التالية. وقد جاء المؤتمر وسط تعقيدات متعددة تتصل بالعلاقات بين الدول الإسلامية، وبالظروف الداخلية لهذه الدول التي تفتقر الحياة السياسية في أغلبها إلى الديمقراطية والمشاركة الشعبية. ما يهمنا كعرب في بيان قمة اسطنبول هو إدانته للتدخلات الإيرانية في دول الجوار، والدعوات التحريضية التي تقف طهرانُ وراءها لزعزعة الأمن والاستقرار في الدول العربية، ودعوته النظام الإيراني لانتهاج سياسة التعاون وحسن الجوار.. وهو ما لن يتحقق عملياً! الموضوع الثاني كان الملف السوري، حيث أكد بيان القمة ضرورة وقف العنف في هذا البلد، والحفاظ على وحدته واستقلاله. كما أكد دعم عملية سلام جنيف لتحقيق انتقال سياسي يؤدي إلى دولة سورية قائمة على التعددية الديمقراطية.. وهو ما لن يتحقق عملياً كذلك! الموضوع الثالث هو ملف تنظيم «داعش»، حيث أكد إعلان اسطنبول دعمه الحكومة العراقية في جهودها للقضاء على التنظيم الإرهابي، واستعادة المناطق الخاضعة له، وجدد الدعم للتحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، ودعا الدول الأعضاء للانضمام إلى هذا التحالف.. وهو ما لن يتحقق عملياً كذلك! ويبدو أن موضوع «داعش»، بما يكتنفه من غموض، كان يحتاج إلى صياغة أكثر دقة مما جاء في البيان، لأن الخطوات العملية مهمة في هذا السياق، أما الأماني فلن تغيّر الواقع على الأرض. إن تردد المجتمع الدولي في اتخاذ موقف جاد وحاسم هو ما أدى إلى تمدد التنظيم في أكثر من بلد عربي، كما نفّذ عناصره تفجيرات في أوروبا. موضوع بناء قدرات الشباب وتعزيز دورهم في عملية التنمية الشاملة وتحقيق الأمن والسلم في المجتمعات الإسلامية، ودعم أنشطة مشاريع منظمات المجتمع المدني بهذا الشأن، موضوع محوري يتطلب برامج عملية، لأن دور الشباب مُهمش، خصوصاً في ظل التشوه المعرفي واللغوي والأخلاقي، جرّاء برامج التعليم، وسطوة وسائل التواصل الاجتماعي على المشهد الثقافي، وظهور جيل انفصل عن تراثه وحضارته، ناهيك عن حالة الإحباط التي يعيشها بسبب البطالة وعدم توافر فرص العمل في العديد من الدول. كما أن المجتمع المدني مُحارب وغير معترف به في أغلب البلاد الإسلامية. وكثيراً ما حذّرت الحكومات من عملية التنوير التي تقوم بها منظمات المجتمع المدني، والتي تعارضها بعض الفئات! كان بودي لو أكد البيان على حقوق الإنسان. فانتهاك هذه الحقوق واضح في العديد من الدول الإسلامية، حيث لا توجد منظمات لحقوق الإنسان بمعناها الصحيح. وهذا موضوع مهم، خصوصاً في البلاد الإسلامية التي تعاني الفقر والأمية، تماماً كما هي الحال في البلدان الغنية الناهضة، والتي تحتاج إلى مشاركة الشعوب في القرار عبر منظمات المجتمع المدني. وهذا أيضاً لن يتحقق عملياً في المدى المنظور على الأقل! تحدّث البيان عن مركزية القضية الفلسطينية، والتي نلاحظ أنها تراجعت على سلم الاهتمامات السياسية الإسلامية، في ظل المستجدات الجارية، بحيث احتل موضوع الإرهاب أولوية الاهتمام. وهذا أيضاً قد لا يتغير عملياً في وقت قريب قادم! وتحدث البيان عن النزاعات الأهلية والإقليمية (أرمينيا وآذربيجان، البوسنة والهرسك، أفغانستان، مالي، ليبيا، الصومال، أفريقيا الوسطى، السودان، نيجيريا، النيجر، الكاميرون..) وجهود بعض الدول في منطقة غرب أفريقيا لمواجهة حركة «بوكوحرام». ويبدو أن هذه النزاعات ستستمر لبعض الوقت، وقد تتوسع رقعتها لأسباب مثل: التدخلات الخارجية، الأمية السياسية، العقلية «التوتاليتارية».. وهذا أيضاً قد لا يتغير في المدى المنظور على الأقل!