انفضّت الأسبوع الماضي قمة الأمن النووي التي عُقدت في واشنطن عن بيان باهت، حاول مجاملة الولايات المتحدة والرئيس أوباما الذي استخدم كلمات «الأمل» و«الأفضل لنا»، في الوقت الذي دعا فيه الشركات المختصة بالشأن النووي إلى العمل في إيران! وأظهر أوباما تعاطفاً واضحاً مع إيران بالقول: «ما دامت إيران تنفذ دورها بحسب الاتفاق، فنحن نعتقد أنه من المهم أن ينفذ المجتمع الدولي دوره في الاتفاق». وكان زعماء العالم قد أكدوا التزامهم في القمة بنزع السلاح النووي ومنع الانتشار النووي وبالاستخدام السلمي للطاقة النووية، كما حذروا من أن خطر الإرهاب النووي والإشعاعي ما زال أحد أكبر التحديات التي تواجه العالم. وقد حفلت القمة بالعديد من المصطلحات الجديدة، مثل «الإرهاب النووي» و«أمن المواد النووية».. وكان الهاجس المسيطر على أعمال القمة هو الخوف من وقوع مواد نووية في أيدي الجماعات الإرهابية. والمفارقة العجيبة أنه بينما سعت قمة الأمن النووي لمنع الانتشار النووي، فإن الدول الكبرى -وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا- تتوسع في الصناعات النووية! وحسب «نيويورك تايمز»، فإن مبادرة الولايات المتحدة لعام 1978 لوضع برنامج لتقليص استخدام اليورانيوم (المستخدم في صناعة القنابل الذرية داخل مفاعلات الأبحاث النووية) قد فشلت، لأن واشنطن وموسكو ولندن ما زالت تستخدم أطنان اليورانيوم لصناعة القنابل الذرية، أو أربعة أضعاف كمية اليورانيوم المستخدمة في كل المفاعلات النووية عبر العالم، وهي كمية ضخمة وقد تكون عُرضة للسرقة أو السطو من قبل الإرهابيين أثناء عملية نقلها أو تخزينها! ويتخوف تقرير «نيويورك تايمز» من أن المشروع المطروح لوقف الانتشار النووي سوف يتوقف في الأمد القريب. وإلى ذلك، ثمة تساؤلات عدة تُثار عن الكميات الهائلة المستنفذة من محطات الطاقة النووية على هيئة بلوتونيوم. والأخطر من ذلك أن القادة الذين يجتمعون من أجل «الأمن النووي»، هم الأكثر شراهة في الصناعة النووية. وحسب منظمة السلام الأخضر، فإنه «إذا أردت أن تضمن أن الإرهابيين لن يمتلكوا قدرات نووية، فعليك أن تحرص على عدم وجود قدرات نووية»! وهو استنتاج صحيح ومنطقي، لأن توفر المواد النووية يفتح أعين الإرهابيين على اقتنائها بشتى الوسائل، خصوصاً أن جزءاً يسيراً منها قد يلحق الضرر بملايين البشر، وكما قال أوباما فإن «مادة بحجم تفاحة يمكن أن تسبب دمارٍاً قد يغيّر شكل العالم». وكانت مخاوف قد برزت من وجود شريط فيديو لإرهابيين، عقب هجمات باريس وبروكسل، تظهر عالِماً بارزاً في منشأة نووية بلجيكية! الحذر سيطر على تلك القمة حيال أنشطة كوريا الشمالية، وازدياد تجاربها النووية والصاروخية المستمرة، الأمر الذي استفز اليابان وكوريا الجنوبية، حيث صرّح أوباما، بعد لقائه رئيس الوزراء الياباني (ستينزو آبي) ورئيسة كوريا الجنوبية (بارك غوين- هاي)، بالقول: «نحن متحدون في جهودنا للردع والدفاع في مواجهة استفزازات كوريا الشمالية». إن الحديث عن تخفيض الصناعة النووية واستخدامها كوقود للغواصات والمفاعلات، يبدو نوعاً من «الترف السياسي»، في ظل تهديد من دول لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، خصوصاً مع عدم ذكر مفاعلات إسرائيل، أو المفاعلات الإيرانية على شاطئ الخليج العربي، والتي تشكل تهديداً مباشراً للدول العربية على الطرف الآخر من الخليج! وإذا صحّت مقولة وزير الخارجية الأميركي (جون كيري) عشية القمة، من أنه «يتحتم منع وقوع المواد النووية في أيدي الإرهابيين»، فإنه يتعين وقف السباق على إنتاج هذه المواد الخطرة، والبحث عن أنجع الطرق لهزيمة الإرهابيين الموجودين في العراق وسوريا، وعدم لبس «القفازات السياسية»، كما تفعل الولايات المتحدة حين تطلق مثل هذه التحذيرات ولا تنفذها! لقد بدت شهية القتل والانتقام في أوج عنفوانها، خصوصاً بعد غزو العراق، وتمزق سوريا، ووجود ملايين اللاجئين في أوروبا. وكذلك وجود العداء والتطرف من الجانب الآخر، المتمثل في شعوب الدول التي تستضيف هؤلاء اللاجئين. لذلك، سيبقى التوتر قائماً في العالم، حتى يتم الإعلان عن تطهير هذا الكوكب من المواد النووية ونوايا استخداماتها العسكرية، وهو ما لا يمكن لأحد التأكد منه. ---------------------- *إعلامي وأكاديمي قطري