يعلم الجميع فوائد ومضار استخدام الشبكة العنكبوتية للمعلومات والمعروفة عالمياً باسم (الإنترنت). وهي النظام العالمي الذي يربط المليارات من أجهزة الحاسوب والشبكات في مختلف بقاع الأرض. وتحمل شبكة الإنترنت بين طياتها كميات لا حصر لها من المعلومات والتي يتم تبادلها بين المستخدمين لأغراض متباينة. وتحتوي الشبكة العنكبوتية أيضاً العديد من مواقع التواصل الاجتماعي التي أصبح لها دور أساس في حياة المليارات من البشر الذين يستخدمونها لأغراض اجتماعية، ثقافية، إعلامية، سياسية وغيرها. ولكن ما لا يدركه العديد منا هو أن تلك الشبكة العنكبوتية التي نستخدمها للتواصل مع الآخرين، وللحصول على المعلومة المفيدة، وللالتحاق بمؤسسات التعليم، ولممارسة الأنشطة التجارية والمالية المشروعة، هي في واقع الأمر ليست سوى واجهة تخفي وراءها شبكتين أخريين على درجة عالية جدا من الخطورة وهما: الإنترنت المظلمة ‏Dark Internet ?والإنترنت ?العميقة ?Deep Internet? ?. ?وبداية ?معرفتنا ?بهاتين ?الشبكتين ?كانت ?في ?شهر ?أغسطس ?2015، ?عندما ?تداولت ?وسائل ?الإعلام ?الغربية ?خبر ?سرقة ?مجموعة ?من ?القراصنة ?الإلكترونيين ?كميات ?ضخمة ?من ?المعلومات ?والملفات ?من ?موقع ?أميركي ?شهير ?على ?شبكة ?الإنترنت ?للتعارف ?بين ?الرجال ?والنساء، ?ثم ?قام ?هؤلاء ?القراصنة ?بحفظ ?تلك ?المعلومات ?والملفات ?فيما ?يسمى ?بالإنترنت ?العميقة، ?مهددين ?باستخراجها ?وفضح ?مستخدمي ?الموقع. والإنترنت العميقة هي مجموعة من المواقع الإلكترونية المنظورة أمام مستخدمي الإنترنت، ولكنها تخفي عنوانها الإلكتروني، ‏IP ?الخاص ?بها، ?مما ?يجعل ?من ?الصعب ?جداً ?تتبع ?أماكن ?وجود ?جهاز ?الحاسوب ?الرئيسي ?الذي ?يدير ?تلك ?المواقع، ?وبالتالي ?معرفة ?أصحابها. ?كما ?أن ?تلك ?المواقع ?لا ?يستطيع ?أحد ?العثور ?عليها ?في ?محركات ?البحث ?على ?شبكة ?الإنترنت. ?ومن ?أشهر ?المواقع ?الإلكترونية ?التي ?تستخدم ?تقنية ?الإنترنت ?العميقة ?موقع (?طريق ?الحرير)، ?وهو ?موقع ?بيع ?وشراء ?المخدرات. ?وفي ?الوقت ?نفسه، ?قد ?يستخدم ?الإنترنت ?العميقة ?أفراد ?بعض ?المجتمعات ?التي ?تعاني ?من ?الحكم ?الشمولي ?والديكتاتورية ?والظلم، ?وذلك ?للتواصل ?فيما ?بينهم ?وبين ?أفراد ?من ?خارج ?دولهم، ?وذلك ?في ?محاولة ?للتعبير ?عن ?آرائهم ?بعيداً ?عن ?السلطة ?الحاكمة. وتٌعتبر الإنترنت المظلمة جزءاً من الإنترنت العميقة، وهي تعني الشبكات وقواعد المعلومات والمواقع، والتي من المستحيل الوصول إليها وغير المنظورة أصلاً أمامنا، وذلك لأسباب ذات تقنية على درجة عالية من التقدم والتعقيد، أو لأنها مصممة أصلاً للاستخدام من قبل مجموعة محددة من الأشخاص. وفي كلتا الحالتين، فإن الإنترنت العميقة والإنترنت المظلمة هما عالم خطير وسري إلكتروني يتم استخدامهما من قبل أشخاص لا يريدون الظهور علناً، كما يحرصون على عدم تتبع أماكن وجودهم. وبطبيعة الحال ينتمي غالبية هؤلاء الأفراد للجماعات الإرهابية التي تعمل في الخفاء للتواصل بين أفرادها ونقل المعلومات الخاصة بالأنشطة الإرهابية بعيداً عن أعين الجهات الأمنية. وقد قامت الحكومة البريطانية أواخر العام الماضي بتأسيس وحدة خاصة بالجرائم الإلكترونية مهمتها الوحيدة هي تتبع مواقع ومستخدمي شبكة الإنترنت المظلمة، ويشمل ذلك الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية وعصابات تهريب البشر. وبالتالي نحن لم نعد أمام خطر تمثله بعض مواقع التواصل الاجتماعي التي تستخدمها الجماعات الإرهابية لترغيب انضمام الأفراد لها فقط، بل أصبحنا أمام خطر مضاعف تمثله تلك المواقع المكشوفة أمام أولياء الأمور، إضافة للمواقع غير المنظورة أمامنا والموجودة في شبكة الإنترنت المظلمة، والتي يستخدمها أعضاء الجماعات الإرهابية لنقل التوجيهات والمعلومات بطريقة من المستحيل مراقبتها من قبل غالبية الجهات الأمنية، فما بالنا بإمكانات وقدرات الآباء والأمهات العاديين. ولذلك أرى أنه من الضروري جداً قيام وسائل الإعلام الوطنية والمؤسسات التعليمية بإعداد وتنفيذ حملة توعية مستمرة تكشف مخاطر مواقع الإنترنت المظلمة والإنترنت العميقة للشباب والأطفال خاصة، وأولياء الأمور عامة، حتى نعلم كيف نتعامل مع الخطر الكامن قبل الخطر المكشوف للجماعات الإرهابية.