حين كان يوسف عليه السلام يودع الرجل الذي أفرج عنه من محبسه بقوله: (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ)، لم يكن يقصد بكلمة ربك أكثر من الملك في ذلك العهد.. وإبراهيم عليه السلام في مواجهته النمرود بالحجة تبجح الآخر، فقال: أنا أحيي وأميت! هنا لو ظل إبراهيم يحاججه إلى المساء لما اقتنع بالتراجع عن عناده. فعمد إبراهيم إلى حجة لا قِبل للنمرود بها، فبهت لا يملك جواباً، (قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ المغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ). ومن اللافت للنظر أيضاً أن سورة يوسف ترد فيها كلمة «ملك» وليس «فرعون» (وَقَالَ الملِكُ إِنِّي أَرَى..) وتدبُّر هذا يحتاج إلى تعمق تاريخي مفصل، ويبدو أن يوسف جاء في فترة انقطع فيها حكم الفراعنة إلى قطعتين. الحقبة الأولى حكم فيها الفراعنة، ثم اقتحم مصر لون من الغزاة هم «الهكسوس» وحكموها فترة من الزمن قد تكون أكثر من قرن، وفي هذه الفترة دخل يوسف مصر ورفعه الملك إلى منصب كبير جداً، بعد تفسير الحلم المنذر للشعب الفرعوني. حين قال للملك، إن ما ينتظر مصر وفق تفسير ما رأى في المنام هو أن هناك سبع سنوات من القحط والمجاعة، ولذا يجب تخزين الطعام لتلك السنوات السبع العصيبات. بالطبع إن تأويل المنام على هذه الطريقة من قراءة المستقبل عميقة الدلالة. وهنا رؤية النبوة والإعجاز الذي لا يقف أمامه مستحيل ويكسر قانون السببية. يقول «ميشيو كاكو» في كتابه «فيزياء المستحيل»، إن ثمة عشر استحالات في الفيزياء الحالية المعروفة، منها خمس كسرت أو قاربت ذلك مثل استخدامات «مضاد المادة»، و«التليباثي» أي التخاطر عن بعد، و«تحريك الأشياء عن بعد» بواسطة موجات الدماغ، ثم النقل الفوري البعيد لأشياء، وأخيراً القدرة على الاختفاء. ومنها ثلاثة من الصنف الثاني لا تتعارض مع قوانين الفيزياء المعهودة ولكنها تتطلب وقتاً لتحقيقها قد يأخذ قروناً أي ما هو أسرع من الضوء. والدخول في أحشاء الكون من خلال الثقوب الدودية فنكسر المسافات الرهيبة، وأخيراً الدخول إلى عالم الأكوان الموازية، للوصول في النهاية إلى أمرين تتكسر على عتبتهما قوانين الفيزياء التي نعرفها فلا يمكن الوصول إليها بأي سبيل، وهما: الآلات دائمة الحركة، واستبصار المستقبل. وما فعله يوسف كقصة النبي دانيال مع الملك الآشوري نبوخذ نصر، حين قال له الملك أخبرني بما رأيت أنا قبل أن تفسر أنت المنام، فأخبره النبي دانيال بالرؤية وتأويلها، ومن هذا القبيل أيضاً النبوءة القرآنية في الإخبار عن المستقبل بهزيمة الفرس خلال بضع سنين أمام جيوش الروم. إن هدف الدين أي دين هو ثلاثة، تحقيق سمو فردي واجتماعي وعالمي، أما الفردي فهو تركيب البوصلة الأخلاقية عند الفرد، فالإنسان من دون سلم قيم في الحياة يتحول إلى وحش كاسر. ولذا كان مما نصت عليه الأديان «لا تقتل» (تذكروا مجرمي «داعش»). والوظيفة الاجتماعية هي تحقيق مجتمع العدل. والمهمة العالمية هي إرساء السلام بين الأنام وتحقيق التعارف بين الشعوب والأمم والقبائل. وفي هذا الصدد، يجب تحرير مفهوم «الجهاد» بشقه المسلح أي استخدام القوة المسلحة أنها يجب أن تكون تحت تحالف دولي من أجل رفع الظلم عن الإنسان أينما كان ومهما دان، من ظروف الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وأن يكون استخدام القوة المسلحة تحت مفهوم الحرب العادلة كآخر خيار. وما زال العالم حتى يومنا هذا لم يحل هذه المشكلة على نحو سليم وعادل. وهذا سيتحقق بأمرين، الأول إلغاء مجلس الأمن (المجلس الانتقائي الذي يعرقل ولادة العدل في العالم)، وتحويل جمعية الأمم إلى برلمان عالمي عنده قدرة وأدوات تنفيذ العدل، فيوقف سفك الدماء في رواندا وسوريا، ويلوي ذراع إسرائيل، وهكذا.