هناك انتقادات متزايدة في واشنطن لإدارة باراك أوباما، تصدر عن الأوساط اليمينية في الكونجرس ومراكز الأبحاث والدراسات المحسوبة على التيار المحافظ، بسبب ما تعتبره سياسة انعزالية وانكفاءً أميركياً على الذات وتفريطاً في تحالفات تاريخية، ويأتي كتاب «الحدود المضطربة» ليضفي بعض «المصداقية الأكاديمية» على هذه الانتقادات التي يتهم أصحابُها أميركا بإهمال شبكتها العالمية من التحالفات؛ إذ يحاجج بأن سياسة الولايات المتحدة الخارجية بعد الحرب العالمية الثانية كانت تقوم دائماً على الحفاظ على تحالفات مع بلدان مختلفة، قبل أن يحدث تحول في الآونة الأخيرة حيث «أخذ يسود واشنطن شعور متزايد بأن هذه التحالفات الواسعة باتت تمثل عبئاً؛ إما بسبب تكاليفها.. أو بسبب ما تنطوي عليه من مخاطر العلوق في مستنقعات... والحال أن هذا الرأي خاطئ وخطير معاً»، كما يؤكد مؤلفا الكتاب جاكوب جريجل، الأستاذ بكلية الدراسات الدولية في جامعة هوبكينز، وويس ميتشل، رئيس «مركز تحليل السياسات الأوروبية» في واشنطن. المؤلفان يصفان الأساليب الشرسة التي تستخدمها دول منافسة لاختبار القوة الأميركية في مناطق مهمة استراتيجياً عبر العالم، مظهرين كيف أخذت قوى صاعدة وأخرى تسعى لتغيير الوضع القائم، تمارس ضغوطاً على حلفاء أميركا قصد قياس مدى التزام واشنطن بالحفاظ على النظام العالمي الذي تقوده. وفي هذا الصدد، يعرّف المؤلفان «جس النبض» باعتباره نوعاً محورياً من السلوك الاستراتيجي المعاصر، مشيرين إلى أن روسيا والصين وإيران تستخدم خليطاً يزاوج بين الدبلوماسية الشرسة والإغراءات الاقتصادية والتحركات العسكرية، لاختبار إرادة أميركا في الدفاع عن مصالحها وحلفائها. وما ضم روسيا لشبه جزيرة القرم وغزوها لأوكرانيا، وسعي الصين المتزايد لتأكيد نفوذها في بحر الصين الجنوبي، ودعم إيران للمليشيات الإرهابية عبر الشرق الأوسط، سوى نماذج لعملية جس النبض هذه. على أن حلفاء الولايات المتحدة التقليديين الذين يمثلون أهدافاً لهذه الهجمات باتوا يواجهون مزيداً من الضغوط بسبب تقليص الولايات المتحدة لنفقاتها العسكرية. ونتيجة لذلك، فإن نظام الردع الممتد الذي أنشأته الولايات المتحدة غداة الحرب العالمية الثانية أخذ يضعف فيما بدأ يتساءل حلفاء أميركا بشأن قوتها العسكرية والتزامها السياسي، والحال أنه بدون «الدور المهدئ» للوجود العسكري الأميركي، يؤكد المؤلفان، سيخلص هؤلاء الحلفاء إلى أن التعامل مع جيرانهم المتنمرين هو خيارهم الوحيد، كما يحذران من أن فقدان حلفاء مهمين، وما ينطوي عليه ذلك من فشل في ردع القوى التي تسعى لمراجعة النظام الدولي القائم، قد يؤدي إلى أزمة عسكرية دولية كبرى. ويرى جريجل وميتشل الخطر بشكل خاص في الاعتقاد الأميركي المتزايد بأن تقليص الوجود العسكري في الخارج يزيد الأمن الداخلي ويعززه. اعتقاد يقوم على افتراض أن مصالح الخصوم محدودة، وأنها دفاعية بالأساس، ويمكن تلبيتها بدون عواقب خطيرة، والحال أن القوى الساعية لتغيير الوضع القائم، كما يؤكد المؤلفان، تسعى إلى أكثر من مجرد الهيمنة على مناطقها، وتتطلع لإنشاء نظام عالمي جديد، ونتيجة لذلك، فإن ما قد تبدو أعمالاً وتحركات معزولة، تشترك في «خصائص استراتيجية» وتندرج ضمن عملية إعادة اصطفاف جيوسياسي تتعارض مع المصالح الأميركية. كتاب «الحدود المضطربة» يرسم صورة قاتمة: شبح نزاع واسع النطاق وانحلال شبكة الحلفاء التي لطالما أتاحت للولايات المتحدة امتيازاً استراتيجياً بالغ الأهمية، غير أن المؤلفين يختمان كتابهما بتوصيات للمسؤولين في واشنطن تشمل سن سياسات دبلوماسية تولي الأولوية للحلفاء، ووجوداً عسكرياً أميركياً عبر العالم، وتقاسم المعلومات الاستخباراتية، ومساعدة البلدان الواقعة خارج المجال الذي تغطيه القدرة الأميركية على تطوير قدرات دفاعية قوية. محمد وقيف الكتاب: الحدود المضطربة المؤلفان: جاكوب جريجل وويس ميتشل الناشر: برينستون يونفرسِتي برِس تاريخ النشر: 2016