في شهر سبتمبر 2014، تجمع طلاب من هونج كونج في ساحة عامة للاحتجاج على بعض القوانين الحكومية الصادرة عن بكين. وكانت إحدى اللافتات التي رفعوها تقول: «عندما تصبح الدكتاتورية حقيقة، تصبح الثورة واجباً». وهي عبارة تنسب إلى الشاعر والروائي الفرنسي الشهير فيكتور هيجو. وخلال ما يعرف بحركات «الربيع العربي»، رفع المتظاهرون في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا شعارات مثل: «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية»، و«ثورة الكرامة والحرية». بعض الأكاديميين والمثقفين المنتمين لعامة الشعب، والذين تعمقوا في دراسة المجتمعات غير الغربية، يتخوفون من أن تتبنى تلك المجتمعات المفاهيم والقيم الغربية ذاتها، وقد عبروا عن استيائهم من استخدامها لمصطلحات محددة سائدة في ثقافة الغرب، مثل «حقوق الإنسان» و«الديمقراطية الليبرالية». وهم يفضلون بدلاً من ذلك أن تعتمد تلك الشعوب على تقاليدها وثقافاتها الوطنية. ولهذا السبب، تركز الجدل المتعلق بشكل الحكومة التي يجب على الصين أن تتبناها في أن تكون مشتقة من التعاليم الكونفوشيوسية المثالية. والغريب في الأمر أن الشعارات التي رفعها متظاهرو هونج كونج لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى «الكونفوشيوسية»، وهذا ما دفع أحد المعلقين لأن يطرح السؤال التالي على إحدى أشهر المدوّنات الصينية: «أين ذهب كل أولئك الكونفوشيوسيون؟». وإذا كانت الشعارات الغربية سوف تواجه الرفض مقابل تفضيل الأطروحات والشعارات المحلية في الدول الشرقية، مثلما يخبرنا الأكاديميون، فكيف يمكننا تفسير ما يحدث على أرض الواقع، حين يرفع المتظاهرون في تلك الدول شعارات تطالب بالحقوق العامة مثل حرية النساء، والمساواة بين الجنسين، والانتخابات العامة، وحكم القانون؟ لا شك أن اللغة السائدة التي تتميز بها الشعارات التي يرفعها المتظاهرون تنطوي على أهمية كبيرة، بسبب ما يمكن أن تخبرنا به من معلومات وخلفيات ثقافية وسياسية. وقد قلت في مقال، نشرته مؤخراً، إن هذه الأدوات تنطوي بالضبط على ما أسميته «المثاليات الغربية» التي أصبحت تثير الشكوك لدى بعض الأكاديميين، مثل: الديمقراطية والحقوق وحكم القانون. ولا يجوز النظر إلى هذه الشعارات باعتبارها غربية المصدر، بل باعتبارها أدوات حديثة ومعيارية، وهي تتلاءم بشكل خاص مع حقائق الحياة السياسية تحت حكم الدولة السيادية التي تمثل المؤسسة المركزية للسياسة الحديثة. ولقد كان هناك الكثير من الأصوات والمواقف النقدية التي تعالت عبر العالم لنقض المفاهيم القائمة الآن لحقوق الإنسان والديمقراطية، باعتبارها لا تمثل أكثر من إملاءات غربية. ويرى أصحاب هذه المواقف المنتشرون في أميركا اللاتينية وأفريقيا والشرق الأوسط، أن على الدولة أن تتدخل أكثر في المجتمع من أجل فرض الأمن المطلق. وهم يزعمون أن الدولة هي المسؤولة عن تحقيق الرخاء الاجتماعي. وبالرغم من هذا الطرح الذي يقدمه هؤلاء لمفهوم الدولة السيادية، فلقد قالوا إن على الدولة ألا تستخدم القوة المسلحة إلا على نطاق محدود، وأن تستشير الشعب عبر الانتخابات. ولا يجوز النظر إلى الجهود الهادفة إلى تقديم مفاهيم إسلامية مختلفة للديمقراطية، أو كونفوشيوسية مختلفة لحقوق الإنسان، باعتبارها بدائل للأطروحات المثالية الحديثة، بل باعتبارها مجرد عناصر تغيير وتعديل فيها. وهذا مقبول وشبيه بوجود اختلافات شتّى بين النظامين الديمقراطيين في ألمانيا والولايات المتحدة. وهذه الاختلافات ليست من نفس طبيعة تلك التي تتعلق بالمفاهيم والثقافات التي تقوم بين الشرق والغرب، بل تتعلق بالدول التي تتبنى أطروحاتها الخاصة بها. وعلى الحكومات الغربية، من دون استثناء، أن تتجنّب بشكل تام مثل هذه الدعوات لتغيير الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعندما رفض تنظيم «داعش» الاعتراف بوجود حدود بين الدول، ورفع شعار العودة إلى نظام الخلافة، فقد كان يحاول أن يحقق ذلك بالفعل. وبما أن التنظيم تمكن من بسط سلطته على أراض واسعة وراح يحكم الناس، فقد ظهر وكأنه يمارس عمله السياسي باعتباره دولة، وهنا تقوم المشكلة. لبنى الأمين: أستاذة النظرية السياسية وعلم الحكومة في جامعة جورج تاون ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»