العربي اليوم مطالب بإجهاد عقله وشحذ فكره، قبل أن نفاجأ بما لا تحمد عقباه، نحن في زمن يجتهد فيه الكثير لاستلاب عقلك، وسرقة قرارك كي تكون إمعة تتلفظ بما لا تعلم، وتفعل ثم تندم، لقد وضع العربي ثقته العقلية بغير أهلها، فأضحى عقله كسولاً عن التفكير، مشوه التعبير. الاستلاب العقلي له قنوات متعددة في عالمنا العربي، منها أجهزة الإعلام، فهناك عبارات تتكرر على مسمع الناس صباح مساء حتى تشربتها أدمغتهم واستقرت في ذاكرتهم. على سبيل المثال لا الحصر أننا أمة متخلفة، فقد وسمنا الآخر بصفة الدول النامية، حتى صدقت أفئدة العرب هذه المقولة، فلم تجتهد عقولهم في تغيير حالهم. عندما تزور دولة عربية جاوزت الخمسين من عمرها بعد خروج الأجنبي منها وهي ما زالت على حالها متكئة على عذر خراب «الاستعمار» للديار، تعرف العجز العقلي الذي نحن بصدده، ولعلك مرت بك كلمة المستعمر مرور الكرام لأن هذه اللفظة مقصودة في مبناها الذي يعارض حقيقة معناها. الدول الأجنبية التي احتلت الدول العربية، مسخت من دفاترنا كلمة محتل وأبدلتها بلفظة مستعمر، وهي كلمة إيجابية في فحواها، فالاستعمار من العمار والبناء، وهو لا يمثل في حقيقته جوهر ما قامت به دول الاحتلال. هل رأيت كيف أننا مصابون بكسل عقلي متأزم. ماذا عن منطقة الشرق الأوسط التي وسمنا بها، عندما تسافر إلى العالم الجديد، وتقول للناس إنك عربي يسألك، وأين تقع دولتكم؟ إنْ قلت له في العالم العربي لن يستوعب موقعك من الإعراب، لكن قل له: «الشرق الأوسط» لتجد أساريره قد تهللت، لأن عبارة الشرق الأوسط مقدمة لازمة لإضافة دولة غير عربية للمنطقة. أليس من العجب أن تنسب الأرض إلى أهلها، فنقول كوريا نسبة لمن عليها، والصين والهند، ولا نقول العالم العربي. كلمات تتكرر لا ندرك خطورتها، بل على العكس تجد استنساخاً لها في بعض أجهزة الإعلام العربي مثل كلمة الإرهاب الإسلامي أو الإرهابي العربي، حتى ولو كانت جنسيته أجنبية. بعد الإعلام تمثل حركات الإسلام السياسي مصدراً خطراً في الاستلاب العقلي للعربي، فمن تأطر في محاضن تلك الجماعات، بات اليوم يمثل خطراً مؤرقاً لمجتمعه والعالم من حوله، فمسيرة الاستسلام العقلي لشيخ الطريقة وإمام الجماعة جعلت المريدين يصدقون كل ما يوحى لهم في تجمعاتهم، ويدافع أحدهم عن الفكرة وإنْ كانت نكرة، لا لشيء سوى أنها صادرة عن من وثقته جماعتهم، فأصبحت كتبهم ونشراتهم غير قابلة للنقد أو التصحيح، لأنك إنْ فعلت إنما تجاوزت حدودك، فنقدك وإنْ بدا للناس أنه موجه لكتاب أو فكرة هو من وجهة نظرهم حرب ليس على الكاتب، لكنها حرب خفية على الدعوة الإسلامية، لذلك لا تستغرب أن تتهم بالعلمانية. من أسباب غياب التفكير عند العرب منهجية التربية والتعليم في مدارسنا، والتي دربت ذاكرتنا، وخربت تفكيرنا، فذاكرتنا حديدية، لكنها مانعة للإبداع، داعية للاتباع. ولن ترقى أمة ودعت منهجية التفكير الخلاق، واستبدلته بأساليب تفكير تقليدية، حيث رفعت جل الحكومات العربية شعار «لا أريكم إلا ما أرى»، ولا أهديكم إلا لما هو خير لكم، والمطلوب منك يا من سلبت حق التفكير التصديق والتصفيق، وإلا تم التشكيك في انتمائك وصدق ولائك. أوليس من العجيب أن نكون في هذا الزمان الذي يتغنى الكون فيه بحقوق الإنسان، والتي من أعلاها حق التفكير والتعبير، لكن العربي يخاف على فكره من نفسه، ويتهم قلبه بالتجسس على عقله، الدول العربية التي تشهد تنمية حقيقية دربت الإنسان على التساؤل الذي قاده للإيجابية والعمل والتفاؤل.