لا يمر يوم دون أن يخرج علينا زعيم النظام الستاليني القائم في كوريا الشمالية «الرفيق المبجل» و«شمس البلاد المنيرة» كيم جونج أون بتصريح وتهديد استفزازيين ضد جارات بلاده، وكان آخر ما هدد به هو ضرب القصر الأزرق الرئاسي في سيؤول حيث تقيم نظيرته الكورية الجنوبية السيدة «بارك جيون هي» بالصواريخ وقذائف المدفعية بعيدة المدى لتحويله إلى «بحر من اللهب والرماد»، بحسب قوله، وذلك في سابقة خطيرة لم يقدم عليها أي زعيم في العصر الحديث، وإنْ كان الرفيق «كيم إيل سونج» مؤسس كوريا الشمالية/ جد الرئيس الحالي بعث في عام 1968 بفرقة من الكوماندوز المدربين إلى سيؤول للهجوم على القصر الأزرق واغتيال الرئيس الكوري الجنوبي آنذاك «بارك تشونج هي» والد الرئيسة الحالية، علماً بأن تلك المحاولة فشلت وانتهت بمقتل معظم المهاجمين وسبعة من الحراس الكوريين الجنوبيين. فهل هناك حماقة ورعونة أكثر من هذه التي ارتبطت بشخصية حاكم بيونج يانج منذ تسلمه للسلطة في سبتمبر 2011 خلفاً لوالده «كيم جونج إيل» المشابه له في الحماقة والتهور؟ الغريب في الأمر أنه بينما كان الصبي «كيم» يراقب جيشه وهو يقوم بعملية محاكاة للهجوم المفترض على البيت الأزرق الكوري الجنوبي، خرج علينا سيد البيت الأبيض الأميركي المتردد ليقول لنا: «لا تأخذوه على محمل الجد»، وذلك في موقف تخاذلي آخر تجاه أقدم الحلفاء التاريخيين لبلاده في منطقة الشرق الأقصى. أما الأغرب من هذا فهو أنّ تصريحات وتهديدات الزعيم الكوري الشمالي المتكررة تجد استحساناً وصدى طيباً عند بعض العرب المؤدلجين من بقايا اليسار وزمن العنتريات الثورية، وذلك نكاية بالولايات المتحدة الأميركية التي يستهدفها صبي بيونجيانج في خطبه وتصريحاته، وانتقاماً منها لأنها قضت على سدنة الماركسية في موسكو وعواصم شرق أوروبا. تذكرني مواقف هؤلاء بمواقف العرب الذين كانوا يؤيدون الاتحاد السوفييتي السابق وحليفاتها من دول الكتلة الشرقية، فقط لأن هذه الأخيرة كانت تدعي مناصرتها للقضية الفلسطينية ليس إلا. أما حقوق وحريات شعوب تلك الدول الرازحة تحت أنظمة شمولية قمعية مقيتة فلم تكن تعني لهم شيئاً، رغم أنهم كانوا يطالبون بالحريات والعدالة في بلدانهم العربية، وقد انتقمت شعوب تلك الدول منهم كل على طريقته الخاصة بعد تخلصهم من أنظمتهم الشيوعية الاستبدادية، إذ راحوا يطاردون الطلبة العرب في مساكنهم وكلياتهم ويعتدون عليهم، على نحو ما حدث في رومانيا في أعقاب الإطاحة بديكتاتورها نيقولاي تشاوتشيسكو، وبلغاريا بعد زوال نظام الديكتاتور الآخر تيودور جيفكوف، خصوصاً أن جل هؤلاء الطلبة العرب كان يدافع عن النظامين ويصفق لهما بحرارة لأنهما أغدقا عليه البعثات الدراسية المجانية والمعونات الطلابية بحجم لم يكن يحصل عليه الطالب المواطن. وبالعودة إلى قضية الرئيس «المبجل» الذي لا يكف عن الحماقات، فإننا لم نسمع قط عن تقديمه شيئاً يفيد به شعبه ووطنه، دعك من الأوطان والشعوب الأجنبية. وربما كان الاستثناء الوحيد في هذا المقام هو تقديمه لبعض المساعدات التكنولوجية في مجال صناعة أسلحة الدمار الشامل، وحتى هذه اقتصر إرسالها إما لأنظمة معادية للعرب كالنظام الإيراني الجائر، وإما لأنظمة عربية تحكم أو حكمت بالحديد والنار كالنظام السوري الحالي والنظام الليبي البائد، وعلى الرغم من هذه الحقيقة لا يزال بعض العرب المغرر بهم أيديولوجياً أو مذهبياً يطبلون بمناسبة أو دون مناسبة لنظام بيونجيانج وزعيمه «الملهم»، وبذلك فهم لا يستعدون فقط الولايات المتحدة، فهذه لا تحتاج إلى استعداء، وإنما يستعدون أيضاً دولاً وشعوباً صديقة مثل كوريا الجنوبية واليابان اللتين تأتيان في رأس قائمة الدول المهددة من كوريا الشمالية والمتضررة من حماقات وطيش زعيمها. كان الأحرى بهؤلاء أن يصفقوا ويشيدوا باليابان وكوريا الجنوبية، البلدان المسالمان اللذان يسخران مواردهما وطاقات شبابهما الإبداعية ونتاج مراكزهما البحثية لخدمة البشرية والإنسانية، وتخفيف عذابات الفقراء والمهمشين وضحايا الحروب حول العالم، وليس التصفيق لمن يجوّع أمته ويسخّر مقدراتها من أجل تصنيع وتصدير أسلحة الفتك والدمار الشامل، لكننا نعرف سبب الإحجام! فاليابان وكوريا الجنوبية في نظرهم حليفتان للإمبريالية، وهذا مبرر كافٍ عندهم للتطبيل لعدوتهما اللدودة ممثلة في نظام بيونج يانج.