«انخفاض أسعار النفط يحصد ضحية أخرى»، قالت صحيفة «فايننشيال تايمز» في فبراير الماضي: «إذ سجلت الصناديق المتوافقة مع الشريعة الإسلامية أسوأ مبيعاتها في أربع سنوات، مع انهيار أسعار النفط، وتفاقم التوترات في منطقة الشرق الأوسط التي روعت المستثمرين». هذا التباطؤ، أضافت الصحيفة البريطانية التي نشرت «القبس» ترجمة حرفية لمقالها، «يعتبر نكسة كبيرة لصناعة الصناديق الإسلامية الوليدة، وقوامها 60 مليار دولار، التي بدأت في إيجاد موطئ قدم لها في السنوات الأخيرة فقط، وهو ما يثير تساؤلات حول الآفاق المستقبلية لهذه المنتجات. الأموال لم تعد تتدفق على مديري الصناديق الإسلامية، كما يقول مصطفى عادل، رئيس التمويل الإسلامي في «تومسون رويترز» للبيانات، ويضيف: الناس ليسوا متفائلين كما كانوا في السنوات السابقة، وهو ما من شأنه أن يؤثر في النمو». شهدت السنوات الأخيرة انتشاراً كبيراً للمؤسسات المالية الإسلامية، والتي دار الجدل طويلاً بين الإسلاميين أنفسهم حول تسميتها ومدى مطابقة كل نشاطاتها للشرع، وبخاصة أن كبار العاملين والمشرفين على نشاطاتها، يشيرون دوماً إلى النقص الحاد في عدد الفقهاء الملمين بقواعد «الاستثمار الإسلامي»، وحاجة هذه المؤسسات المتواصلة إلى ابتكار الحلول وفق الشريعة للمشاكل الطارئ في حمى المنافسة العالمية. وتوقعت الشرق الأوسط في تقرير لها، صيف العام الماضي نمو أصول التمويل الإسلامي في العالم إلى 3.24 تريليون دولار بحلول 2020، في ظل ارتفاع الطلب على هذا النوع من التمويل في السنوات الأخيرة، منها 2.6 تريليون دولار حصة قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية. وأضافت الصحيفة: «تشير الإحصاءات إلى أن عدد المؤسسات المالية الإسلامية العاملة في مختلف أنحاء العالم بلغ 1143 مؤسسة، منها 436 مصرفاً إسلامياً أو نافذة للخدمات المصرفية الإسلامية في البنوك التقليدية، و308 شركات تكافل و399 مؤسسة مالية إسلامية أخرى مثل شركات التمويل والاستثمار، وتجدر الإشارة إلى أن معظم هذه المؤسسات توجد في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي وجنوب شرقي آسيا، بينما يتوزع العدد الآخر بين دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا ومناطق أخرى، علماً بأن السعودية وإيران وماليزيا والإمارات تستحوذ على معظم الأصول المالية الإسلامية في العالم»، حتى قبل انخفاض أسعار النفط، تنقل الصحيفة البريطانية عن السيد «طارق الرفاعي» المدير التنفيذي لشركة فيلكا للاستشارات، كانت الصناديق الإسلامية تعاني من كثير من المشاكل الهيكلية، مثل صغر حجمها. فما يقرب من نصف الصناديق المتوافقة مع الشريعة ذات الحضور العالمي يقل حجم أصولها تحت الإدارة عن عشرة ملايين دولار، والحاجة ماسة إلى اجتذاب صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية أو صناعة التأمين، ويصعب جداً بدون ذلك مواجهة تحدي الحجم. شهدت الكويت في نوفمبر الماضي مؤتمراً واسعاً حول التمويل الإسلامي حضرته شخصيات عربية ودولية مثل السيدة «كريستين لاجارد» مديرة صندوق النقد الدولي، التي أكدت أنه بإمكان التمويل الإسلامي المساهمة في النمو الاقتصادي بشكل أكبر من خلال زيادة وصول الخدمات المصرفية للسكان المحرومين، حيث إن ربع المسلمين فقط لديهم حسابات مصرفية! وكان محافظ بنك الكويت المركزي «محمد الهاشل» في كلمته الافتتاحية للندوة قد استعرض تاريخ تطور التمويل الإسلامي، وأشار إلى «بيت التمويل الكويتي» الذي بدأ بأربعة موظفين فقط في 31 أغسطس 1978، «ويقوم على تشغيله اليوم أكثر من ثمانية آلاف موظف، ويمتد نطاق أعماله عبر سبع مناطق مختلفة من العالم». وقال «الهاشل» إن الوجود الأكبر للتمويل الإسلامي يتمثل في آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأضاف أنه وفقاً لبيانات البنك الدولي عام 2015، تمتلك نسبة 45.5% فقط من السكان البالغين في جنوب آسيا حسابات بنكية، و14% فقط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهما المنطقتان اللتان يعيش فيهما أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم، أي 82 في المئة من إجمالي عدد المسلمين. وبيَّنَ محافظ «بنك الكويت المركزي»، أنه «على الرغم من وجود العديد من الباحثين البارزين الضالعين في الفقه الإسلامي، إلا أن الكثير منهم لديه إلمام محدود بالخدمات التمويلية الحديثة، كذلك الحال بالنسبة لخبرائنا في صناعة التمويل التقليدي بشكل عام، فهم ليسوا مؤهلين بما يكفي لفهم المضامين التي تشتمل عليها أحكام الشريعة الإسلامية». وكان المحافظ «محمد الهاشل» قد تحدث قبل ذلك بفترة في مؤتمر التمويل الإسلامي الذي استضافه البنك المركزي التركي، وأبدى مجموعة ملاحظات حول البرامج الإسلامية للتأمين على الودائع بالنسبة لصغار المودعين وفق نظم الإعسار والتصفية، وقال إنه يجب أن نأخذ في الاعتبار النقاط التالية: «أن المراحل والإجراءات في شأن إدارة الأزمات قد لا تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، حيث لا توجد سابقة واضحة لذلك الإطار بالنسبة للبنوك الإسلامية، وأن هناك تفسيرات مختلفة للأحكام الشريعة في مختلف الدول، ومنها الآراء الشرعية حول تحويل ملكية الذمم، وتوجد مسائل تتعلق بأولوية المطالبات، وذلك بسبب الطبيعة الخاصة للعقود في التمويل الإسلامي، ومنها موقف حسابات الاستثمار المشاركة في الأرباح والخسائر خلال دعاوى الإعسار، لذلك، وللتعامل مع مشكلة إعسار مؤسسة مالية إسلامية عبر الحدود: يجب على المؤسسات المالية الإسلامية، من جانبها، توفير تمويل للطوارئ وخطط لمواجهة الأزمات تخضع بالضرورة لتقييم السلطات الرقابية كجزء من عمليات الإشراف والرقابة المستمرة، ويجب على السلطات الرقابية تطوير آلية لمشاركة المعلومات والتعاون مع الهيئات الأخرى، المحلية والدولية، للتنسيق بشأن أي هيكلة أو حل منظم لأي مؤسسة مالية إسلامية متعسرة». إن ملاحظات الباحثين والناقدين في مجال التمويل والاقتصاد «الإسلامي» كثيرة.. نؤجلها لمقال آخر!