للأبوين سُلطة على الأبناء لا تضاهيها سُلطة، فالأب هو ربّ الأسرة، والمعيل، والقدوة، وصمام الأمان، والأم هي سيدة البيت، والمدرسة الأولى، والحضن الدافئ، ومنبع الحنان. وقد وضع القانون الجنائي في الإمارات هذه السُلطة محلّ نظره، فشدّد مثلاً عقوبة مَن يستغل ابنته في الدعارة، أو مَن تبيع ابنها، للخسّة التي ينطوي عليها هذا الفعل، ولسهولة ارتكاب الجريمة لمن يملك سُلطة على غيره. والقانون حين رتب الأثر للسُلطة الأبوية، فعل ذلك ضد مَن يمتلكها، أي الأبوان، ولم يلتفت إلى مَن يقع تحت تأثيرها، أي الأبناء، ففرّق في العقوبة بين مَن يستغل ابنته في الدعارة، وبين مَن يستغل فتاة أجنبية عنه، لكنه ساوى في المسؤولية والعقوبة بين مَن يستغلها والدها وبين مَن يستغلها غيره، مفترضاً أن الأبناء يملكون حرية الاختيار في مقابل السُلطة الأبوية، ما داموا لم يقعوا تحت تأثير الإكراه الذي يعد من موانع المسؤولية. والإكراه في القانون يعني شلّ الإرادة وسلبها، أو التأثير عليها وإضعافها، إلى درجة تحرم مَن وقعت عليه حرية الاختيار، فلا يعد مسؤولاً إن ارتكب جريمة وهو تحت تأثير إكراه مادي، كتصويب سلاح عليه، أو إكراه معنوي، كتهديده بالقتل، لكن الإكراه بهذا المعنى لا يتصوّر وقوعه من الآباء على الأبناء، ومع هذا لا يمكن افتراض أن الابن الذي ارتكب جريمة بأمر والده كان حرّاً في اختياره، بل السُلطة الأبوية أعمّ وأشمل وأكثر تأثيراً من الإكراه، خصوصاً لمن هم دون العشرين من العمر، وبالذات في المجتمعات العربية والإسلامية. ومن مفارقات عدم الاعتداد بتأثير السُلطة الأبوية على الأبناء أن الفتاة إذا بلغت 14 عاماً وتعرضت لنشاط جنسي من والدها، ولم يكن قد أكرهها على ذلك الفعل بالحدّ الذي سلب إرادتها أو أثّر عليها، تعد في نظر القانون شريكة له في هذه الجريمة البشعة، بافتراض أنها كانت راضية بذلك الأمر، بينما الحقيقة أن الفتاة في مثل هذه اللحظات الرهيبة تكون أشبه بالمنوّمة مغناطيسياً، تدور الدنيا بها وهي تجد أن أقرب الناس إليها هو من ينهش في جسدها. والأمر الآخر أن القانون رتّب أثر السُلطة الأبوية على الأبوين في جرائم الدعارة والمتاجرة بالبشر، فغلّظ عقوبة الأصول إذا ارتبكوا هذه الجرائم مع الفروع، لكنه لم يفعل ذلك في جرائم هتك العرض، وساوى في العقوبة في حال وقع ذلك الفعل الجنسي بين أجنبيين، وبين وقوعه بين الأصول والفروع. ومع التعديلات المترقبة على قانون العقوبات، واقتراب صدور قانون حقوق الطفل، حبذا لو عولجت هذه الإشكاليات، سواء في حالات هتك العرض بـ«الرضا» بين الأصول والفروع، أو في حالات دفع الأصول للفروع لامتهان الدعارة، أو لارتكاب أي جريمة أخرى، خصوصاً لمن هم دون الثامنة عشرة، إذ ينبغي أولاً عدم الاعتداد برضا الضحية بأي حال من الأحوال، وثانياً افتراض أن الإكراه قائم، وألا يقبل إثبات عكسه، وثالثاً اعتبار الابنة بالذات، ضحية وغير مسؤولة جنائياً، حتى ولو كانت في ظاهر الأمر قد قبلت بذلك، فقبولها هو مجرد استسلام لسوء حظها، ولا إرادة لمستسلم.