تسير دول مجلس التعاون الخليجي بالاتجاه الصحيح نحو تحرير قطاع الاتصالات، مما ستكون له انعكاسات اقتصادية واجتماعية مهمة، ففي نهاية الأسبوع الماضي أعلنت الأمانة العامة لدول المجلس عن تخفيضات جديدة بنسبة كبيرة تبلغ 40% في تكاليف التجوال بين دول المجلس اعتباراً من غد الجمعة الأول من أبريل. ويشمل هذا التخفيض أسعار الخدمات الصوتية الصادرة والواردة والرسائل النصية الصادرة وأسعار خدمات البيانات، بينما ستبقى خدمة استقبال الرسائل النصية مجانية -كما هو الوضع الآن– ما يعني المزيد من التوسع في استخدامات التجوال والبيانات، بما في ذلك لقطاع الأعمال والتداولات في أسواق المال الخليجية والتواصل ضمن العلاقات الاجتماعية المترابطة بصورة وثيقة بين أبناء دول المجلس، حيث حدت الأسعار السابقة من ذلك بسبب التكاليف. ويتزامن هذا التوجه مع توجه مماثل اتخذته بلدان الاتحاد الأوروبي حول تحرير التجوال الدولي وخدمة البيانات بين هذه الدول في العام الجاري، لتصبح مجانية أو بأسعار رمزية. ومن جانب آخر تأتي هذه الخطوة المتقدمة في ظل تحديات كبيرة يواجهها قطاع الاتصالات في كافة بلدان العالم، حيث توفر العديد من الشركات الدولية خدمات الاتصالات الصوتية والبيانات بصورة مجانية عالمياً وعلى مدار الساعة، مما يهدد شركات الاتصالات والتي تحاول التأقلم مع الأوضاع المستجدة والناجمة عن التقدم التقني السريع، إذ قضت خدمة «الواتس آب» المجانية، مثلا، على خدمة الرسائل النصية، حيث تستحوذ الأولى على 80% من هذه الخدمات حول العالم. ولإيضاح أهمية هذه الخطوة خليجياً من الناحية المالية، يمكن الإشارة لتصريح الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية والتنموية بالأمانة العامة لدول المجلس، عبدالله بن جمعة الشبلي، الذي توقع فيه أن يؤدي هذا التخفيض في المرحلة الأولى عام 2016 إلى توفير 1.14 مليار دولار على مستخدمي الهاتف الجوال بين دول المجلس، كما سيرفع من الرفاه الاجتماعي بمقدار 404 ملايين دولار. لذلك ربما يتكون اعتقاد خاطئ بأن ذلك سوف يأتي على حساب شركات الاتصالات في دول المجلس، مما يؤدي لانخفاض أسعار أسهم هذه الشركات في البورصات الخليجية عند إعلان التخفيض الجديد، وذلك بسبب المضاربات التي قد تحدث في هذا الشأن، لكن هذا التخفيض سيساهم في زيادة استخدام خدمات التجوال والبيانات بين دول المجلس، وبالتالي ارتفاع أداء شركات الاتصالات التي توفر هذه الخدمات. والحقيقة أن هذه الخطوة تقدم دعماً لشركات الاتصالات بشكل خاص وللتعاون الخليجي بشكل عام ، وتشكل نقلة مهمة لتكامل قطاع الاتصالات الخليجي ولقطاع الأعمال ولزيادة الروابط الاجتماعية، أما التحدي الحقيقي فيكمن في التطور التقني السريع والذي يصعب التحكم به، وهو ما يواجه كافة شركات الاتصالات في جميع الدول، ومنها الشركات الخليجية. هذه التغيرات التقنية غيرت بصورة سريعة الكثير من أنماط الحياة والاتصالات وطبيعة أداء الأعمال في كافة القطاعات خلال العقدين الماضيين، وستؤدي لمزيد من التغيرات في السنوات القليلة القادمة، حيث يتطلب الأمر مجاراة هذه التغيرات والتأقلم معها، فالأتمتة والخدمات الإلكترونية قلصت من فرص العمل، حيث يتوقع أن تتراجع هذه الفرص في العالم بنسبة 25% حتى عام 2025، مما يشكل تحدياً يمكن التأقلم معه من خلال التنوع والتأهيل وتغيير أساليب التعليم والتوجه نحو اقتصاد المعرفة، وهو ما تسعى إليه دول مجلس التعاون، حيث ساهم الانخفاض الأخير في أسعار النفط في الإسراع باتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.