مرت هذا الأسبوع الذكرى الأولى لانطلاقة «عاصفة الحزم» لاستعادة الشرعية في اليمن، بعد أن انقضّ الحوثيون وأنصار الرئيس المخلوع (علي عبد الله صالح) على الشرعية، وقطّعوا أوصال البلاد، وتجمدت نتيجةً لذلك الحياة في اليمن. وكانت المملكة العربية السعودية قد قادت تحالفاً عربياً لإنقاذ الشعب اليمني من العصابات التي عاثت فساداً في البلاد، بمؤازرة إيرانية، تهدف إلى فتح ثغرة جديدة، وإيجاد موطئ قدم لإيران، واستكمالا للطوق الذي فرضته من العراق شرقاً ولبنان شمالاً واليمن جنوباً، وهو الأمر الذي جابهته السعودية بمبادأة فاجأت العالم. لقد انطلقت «عاصفة الحزم» في الـ26 من مارس 2015، وها قد تحررت عدن وبعض المحافظات الجنوبية، خصوصاً تلك التي تحاذي باب المندب، الممر الاستراتيجي المهم. بينما انطلقت محاولات للحوار لم تسفر عن شيء ملموس، في محاولة لحث الأطراف اليمنية على قبول القرار الأممي 2216 المعني بإعادة الشرعية، وتسليم مؤسسات الدولة لحكومة الرئيس «عبد ربه منصور هادي». لكن يبدو أن إعلان الانقلابيين قبولهم القرار الأممي، والقاضي بتسليم أسلحتهم وانسحابهم من المدن، كان مجرد محاولة لكسب الوقت، وخلق واقع جديد على الأرض. وقد ظهر الرئيس المخلوع في ميدان السبعين بصنعاء، السبت الماضي، في ذكرى انطلاق عاصفة الحزم، ليعلن أنه يمد اليد للحوار، لكن «من دون العودة إلى مجلس الأمن الدولي الذي لا يحرك ساكناً». وتلك إشارة لرفض الانقلابيين وحلفائهم الانصياع للقرار الدولي، كما أنها إشارة إلى تكريس واقع جديد! فهل معنى «مد اليد» الوقوف نداً بالند للشرعية، وبالتالي تقاسم السلطة، وعودة «صالح» للحكم بصيغة جديدة، بعد أن حجز مقاعد للحوثيين معه؟! لقد أعلن «صالح» أنه «لا عودة للفارين في فنادق الرياض»، وتلك إشارة أخرى إلى عدم استعداد الانقلابيين للحوار! وهذا يتناقض مع «مد اليد للحوار». كما تحامل على المملكة العربية السعودية، وطالب مجلسَ الأمن بأن «يُصدر قراراً ملزماً بإيقاف الحرب». تلك اللهجة المتشنجة لا يجوز أن تصدر من شخص يمد اليد للحوار، كما أن «صالح» والحوثيين الآن لا يملكون زمام المبادة بعد سقوط العديد من المدن اليمنية في أيدي التحالف وقوات الثورة. فقد أعلن الرئيس «هادي»، السبت الماضي، أن «الدولة صارت تقترب من العودة، والمليشيات تبحث عن طوق نجاة». ونذكر أن القرار الأممي رقم 2216 الصادر عام 2015 يتضمن 25 مادة تؤسس ليمن جديد، وقد صوتت عليه 14 دولة عضواً في مجلس الأمن، وامتنعت روسيا عن التصويت. ومؤخراً أعلنت الأمم المتحدة أن الأحوال تزداد سوءاً في صنعاء التي يحتلها الحوثيون وأنصار المخلوع، حيث نقص الغذاء والدواء، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع الصحية، ووفاة الكثير من الأطفال.. وأن هناك حوالي 113 شخصاً يموتون يومياً بسبب الأزمة الإنسانية التي خلقها احتلال الحوثيين و«صالح» للبلاد. وفي ظل هذه التطورات تثار أسئلة ملحة: لماذا تأخر تحرير العاصمة صنعاء؟ ولماذا ظلت تعز تحت الحصار، على الرغم من أوامر الرئيس هادي، يوم 26/3/2016، بإرسال تعزيزات عسكرية إلى تعز؟ ألا يعني ذلك أن الحرب لا تزال بعيدة عن الحسم في بعض المناطق؟ كما يُثار سؤال آخر حول تصريحات المتحدث باسم قوات التحالف العميد ركن أحمد عسيري، السبت الماضي أيضاً، حين قال إن تأثير إيران في الداخل اليمني أصبح شبه معدوم، وإن الحكومة تسيطر على 90% من الأراضي اليمنية، وإن العمليات الكبرى قد انتهت.. فهل هنالك معلومات يجهلها الرأي العام حول حقيقة الأوضاع في اليمن؟ وهل إطلالة «صالح» في ميدان السبعين، وسط حشد من مؤيديه، لها علاقة بتشكل واقع جديد عبر الحوار السياسي غير المُعلن؟ وهل سيبقى ملف اليمن مفتوحاً ربما لعام آخر، وبالتالي زيادة معاناة الشعب اليمني، وسقوط المزيد من أبنائه قتلى، وسط غياب الدولة التي نهبها الانقلابيون وأنصار المخلوع؟