لفترة بضع سنوات، كانت بروكسل مركزاً للتعبير عن غضب الأوروبيين جميعاً من برنامج وكالة المخابرات المركزية الأميركية لاستجواب الإرهابيين. والآن، تبحث بلجيكا عن بعض التوضيحات لتبرير سبب فشلها في استنطاق إرهابي من الوزن الثقيل، وهو الاستنطاق الذي كان من المفترض أن يحبط سلسلة الهجمات الإرهابية الأسبوع الماضي، وكانت المذبحة التي شهدتها بروكسل نتيجة مباشرة لرفض الأوروبيين قبول المبدأ الذي يقضي بضرورة معاملة الإرهابيين على نحو مختلف عن التعامل مع المجرمين العاديين. وعندما نجحت قوات الأمن البلجيكية في اعتقال صلاح عبد السلام الذي يُعتقد أنه المسؤول الرئيس عن تأمين الخدمات اللوجستية لخلية تنظيم «داعش» الإرهابية، حرص المسؤولون الأمنيون البلجيكيون على الالتزام باتباع الإجراءات القانونية النافذة وبكل دقة في التعامل معه، وسمحوا له بالاستعانة بمحامٍ للدفاع عنه، وأخبروه بأن من حقه البقاء صامتاً، وأودعوه أحد السجون المخصصة للمجرمين البلجيكيين العاديين، وبعد أربعة أيام، نفذت الخلية الإرهابية هجماتها في بروكسل التي أدت إلى مقتل 35 شخصاً بمن فيهم أربعة أميركيين وأصابت المئات بجروح. ولعل مما يثير الدهشة هو أن المسؤولين الأمنيين لم يوجهوا أي سؤال لعبد السلام خلال فترة الساعات الأربع والعشرين الأولى لوجوده رهن الاعتقال، وقضى ليلة الجمعة بأكملها في المستشفى لمعالجة جرح في ساقه أصيب به أثناء عملية المداهمة، وعندما عاد إلى مركز الشرطة يوم السبت، تم استنطاقه لمدة لا تزيد على الساعتين، ولم تتكرر عملية الاستنطاق بعد ذلك حتى بعد تنفيذ الهجوم الإرهابي يوم الثلاثاء. والسؤال المطروح هنا: لماذا لم يعَد استنطاقه؟ أجاب ضابط أمني رفيع المستوى عن هذا السؤال الذي وجهته إليه صحيفة «بوليتيكو» بقوله: «لقد كان متعباً وخاصة بعد أن أجريت له جراحة في اليوم السابق». فماذا يعني أنه متعب؟ إننا نفهم أن فترة الإجهاد تمثل الوقت الأكثر ملاءمة لاستنطاق الإرهابيين، ومن المعلوم أن وكالة المخابرات المركزية دأبت على حرمان المتهمين من النوم باعتبار الأرق الأداة الأكثر فعالية للاستنطاق. إلا أن البلجيكيين يعتبرون أن الشعور بالتعب والإنهاك يُعدّ سبباً كافياً لإيقاف عملية الاستنطاق بدلاً من استغلاله للوصول إلى الهدف. وهنا يكمن الجزء الأبعد عن أن يصدّق في هذه القصة. وجاء في سلسلة تقارير نشرتها صحيفة «واشنطن بوست» أنه خلال فترة الاستنطاق التي دامت ساعتين فقط «لم يسأله المحققون حول الهجمات التي يخطط لها في المستقبل» بالرغم من أنه العقل المدبر للخلية الإرهابية التي تتخذ من بروكسل مقراً، والتي سبق لها أن نفذت تفجيرات باريس وبروكسل، وجاء في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» حول مدى خطورة عبد السلام: «لقد كان صاحب القرار، وهو المكلف باستئجار السيارات، والبحث عن الشقق، وتجنيد الإرهابيين الجدد»، وهذا يعني أنه كان في وسعه أن يحدد هوية بقية أعضاء خليّته وعناوين البيوت الآمنة التي كانوا يستخدمونها والأساليب التي يتبعونها لاتصالهم ببعضهم البعض وكيف يتناقلون الأموال فيما بينهم، والأهم من كل ذلك الأهداف التي كانوا يخططون لتفجيرها، إلا أن المحققين لم يكلفوا أنفسهم سؤاله حتى عن الخطط التي وضعها لتفجيراته الجديدة، وبدلاً من ذلك، فضلوا التركيز على ضلوع خليته في هجمات باريس من دون أن يتبع ذلك أي نقاش إلا بعد وقوع تفجيرات يوم الثلاثاء. لا شك أنه سلوك محيّر للعقول، وخاصة بعد أن عثر المحققون على صواعق تفجير وأسلحة مختلفة في بيت آمن تحمل بصمات أصابعه، فهل هناك أقل من أن يُسأل عن الهدف من امتلاكها وفيما ينوي استخدامها؟ ويمكن اعتبار طريقة استنطاق عبد السلام مثالاً نموذجياً عن السبب الذي يجعل الالتزام بالنصوص القانونية في استنطاق الإرهابيين ينطوي على كارثة حقيقية، ولقد لاحظنا في بروكسل أن المسؤولين عن مراقبة تنفيذ القوانين لم يكونوا على عجلة من أمرهم لانتزاع الأجوبة من المعتقل لسبب بسيط يكمن في أنهم يستجوبون الإرهابيين بعد حدوث التفجير، ويكون هدفهم انتزاع اعتراف يمكن البناء عليه لتوجيه الاتهام. ولكن، في عمليات الاستنطاق التي تقودها أجهزة المخابرات، يمكن أن يكون البطء قاتلاً، لأن المقصود من عملية الاستنطاق ذاتها هو جمع المعلومات من الإرهابي بشكل سريع قبل وقوع التفجير الجديد. وفي مثل هذه الظروف، أنت تحتاج لأن تنقل الإرهابي من حال الدفاع عن النفس إلى حالة التعاون السريع، ويكون للسرعة دور أساسي في الوقاية من أعمال إرهابية مقبلة. مارك ثييسين: محلل سياسي وكاتب خطب بوش الابن سابقاً ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»