كان الأسبوع الماضي الذي بدأت أيامه بعمليتي بروكسل الانتحاريتين أسبوعاً من أسوأ أسابيع المسلمين في أوروبا، فالعملية التي فاضت وامتلأت الصحف والقنوات التلفزيونية بتفاصيلها، كشفت ضمن ما كشفته عن هشاشة أجهزة الأمن البلجيكية وعدم كفاءتها، علاوة على الأخطاء التي اعترف بها رئيس الوزراء البلجيكي ووزير داخليته الذي عرض استقالته، وهنالك تفاصيل ومعلومات عن تلك الأخطاء، كشفها حلفاء أمنيون وسياسيون أوروبيون وأميركيون. لقد كان المفترض بعد مأساة باريس، في نوفمبر الماضي، والتي هزت العالم، أن ينتبه صناع القرار لتلك «الأخطاء» التي تحدث عنها رئيس الوزراء البلجيكي بعد انفجارات بروكسل الدامية، وأن يوجهوا المسؤولين الأمنيين في بلدانهم لمزيد من التنسيق الأمني ولوضع خطط جادة لمحاربة الإرهاب الذي اعترفوا جميعاً بأنه الخطر الداهم الذي يواجه المجتمع البشري بأسره، وليس سوريا والعراق ومصر وحدها. الآن، وبعد أن وقعت الكارثة البلجيكية أصبح الحديث الذي يدور بين المحللين السياسيين وخبراء مكافحة الإرهاب، هو أن بلجيكا -البلد الصغير نسبياً بين دول أوروبا وأميركا المتحالفة ضد «الإرهاب المتأسلم»- يضم أكبر نسبة من المجاهدين الذين خرجوا من بلادهم الأوروبية وانضموا إلى «داعش» في سوريا والعراق، وفي رأي أحد الخبراء البلجيكيين أن هناك نحو 600 مواطن من بلده سافروا إلى سوريا للقتال في صفوف «داعش». كما يرى مسؤول سابق في جهاز مكافحة الإرهاب البلجيكي، أن مواطنيه عندما يعودون إلى بلجيكا يكونون قد أصبحوا أكثر كفاءة من أفراد جهازه الأمني، وأكثر استعداداً لمواجهة الموت بلا خوف أو تردد. وفي أكثر من تقرير إعلامي يتردد كثيراً اسم بلدة بلجيكية صغيرة اسمها «مولنبيك»، وهي التي ألقت فيها قوات الأمن القبض على الإرهابي الهارب وأحد مخططي هجمات باريس، يدعى صلاح عبدالسلام، وهو شاب ولد هناك وعاش مع أسرته عقب هجرتها من المغرب. لقد أصبحت تلك البلدة الصغيرة أكثر شهرة من العاصمة البلجيكية، وقد سماها الإعلام الغربي عاصمة الإرهاب المتأسلم في أوروبا. ولنا أن نتصور المعاناة التي سيواجهها سكان مونلبيك العرب البلجيكيين وقد بدأت الاتهامات توجه لهم بالتستر وإخفاء عبدالسلام لمدة أربعة أشهر بعد فراره من باريس! يوم الأحد الماضي وخلال موكب سيرته الحكومة والمواطنون لتخليد ذكرى ضحايا التفجيرات، اقتحمت مجموعة صغيرة من الشباب الموصوفين بالنازيين الجدد الموكب وشقوا طريقهم وسط آلاف المواطنين ورددوا الهتافات بالموت للعرب، رافعين أيديهم بالتحية النازية المعروفة، فتصدت لهم الشرطة واعتقلت عدداً قليلاً منهم. وفي الولايات المتحدة، وعقب أحداث بروكسل مباشرة، خرج تيد كروز المرشح الجمهوري للرئاسة، مطالباً الشرطة بإرسال «دوريات» حول أحياء المسلمين الأميركيين تحوطاً وحماية للأمن الوطني من «الإرهاب الإسلامي»! السناتور كروز في هذه السقطة السياسية والأخلاقية أراد المزايدة على غريمه المرشح الجمهوري الآخر دونالد ترامب الذي سبقه من قبل ووعد بمنع المهاجرين واللاجئين المسلمين من دخول الولايات المتحدة إذا ما فاز بالرئاسة. صحيح أن الرئيس أوباما رد على ترامب بحزم يليق برئيس محترم مثله، حين قال إن الأميركيين المسلمين لا يعيشون في «جيتو»، وإنهم من أفضل المواطنين الأميركيين الذين يحبون وطنهم ويعملون من أجل تقدمه وعظمته. لكن الانتهازية السياسية تسيطر على بعض الساسة الأميركيين، من أمثال كروز وترامب.