أزعجت التفجيرات الإرهابية التي ضربت العاصمة البلجيكية بروكسل الثلاثاء الماضي العرب والمسلمين في العالم بشكل أكبر من غيرهم. وسبب هذا الانزعاج، ليس فقط لأن ذلك العمل الإرهابي جاء مقترناً بجماعة تدعي أنها إسلامية، وهي تنظيم «داعش» الإرهابي، وإنما أيضاً لأن التداعيات التي ستتمخض عن هذه الأحداث ستكون عبئاً على المسلمين، سواء في الغرب أو في سائر دول العالم، بافتراض أن أولئك القتلة هم صنيعة الثقافة العربية والإسلامية! الطريقة الخاطئة التي تدار بها توابع كل عملية إرهابية تقع في الغرب تتمثل في استسهال إلقاء اللوم على المجتمعات العربية والإسلامية انطلاقاً من أن أصول الإرهابيين من تلك المنطقة الجغرافية، مع أن هؤلاء الإرهابيين جميعاً هم من مواليد المجتمعات الغربية، وهم قبل أن يكونوا عرباً أو مسلمين، مواطنون في تلك الدول بغض النظر عن أصولهم. وبالتالي يفترض عملياً أن ينطلق حل هذه المشكلة أو تصويب سلوكيات هؤلاء الإرهابيين من هذه النقطة، وإلا ستبقى المشكلة مستمرة طالما كان الأمر هو مجرد اتهام الآخر العربي المسلم. وانطلاقاً من تلك النقطة، لا يمكن افتراض عدم مسؤولية الغرب وسياساته عموماً عما يحصل من عمليات، ولا يمكن تبرئة الغرب لمجرد أن أصول أولئك المجرمين من الشرق، حتى ولو أصروا على ذلك، بل إن اقتصار إلقاء اللوم على الطرف العربي وحده فيه اختزال للحقيقة الكاملة، وفيه تكاسل واضح في البحث عن الحل، وإذا تم ذلك، فهو نوع من الهروب من الواقع لأسباب عدة، أبرزها: أن الإرهاب ظاهرة عالمية، ومثلما يحدث في الغرب يحدث في الدول العربية والإسلامية، الفارق أن العرب والمسلمين اعترفوا بالمشكلة، وهم يبحثون عن الحلول. أما الغرب فقد استسهل صيغة اتهام المسلمين، وخاصة الإسلام السني أو الإسلام العربي، وركن إلى تلك التهمة. كذلك فإن المتابعة التاريخية تذكرنا بأن الولايات المتحدة استخدمت هؤلاء الجهاديين في خدمة سياستها في المنطقة خلال حقبة «الجهاد الأفغاني»، وعندما انتهت الحاجة إليهم أصبحوا عبئاً عليها، ففضلت إلصاق التهمة بالمسلمين. أضف إلى ذلك مشاركة الغرب في الفوضى التي أصابت المنطقة، وما قام به من المساعدة على إسقاط نظم حكم عربية. إن ترك تلك التنظيمات تنمو في المنطقة هو مسؤولية غربية قبل أن تكون عربية. والنقطة الأخرى، أن هناك تجاهلاً غربياً واضحاً للتحذيرات العربية من أن كل التيارات الدينية التي تستخدم السياسة كوسيلة للوصول إلى السلطة هي أساس التطرف، وعلى رأسها «الإخوان»، فالزعيم الروحي لهذا التنظيم يوسف القرضاوي، كان قد أفتى بأن تلك التفجيرات هي نوع من الشهادة! والحديث بأن الإسلام والعرب هم السبب في ما تشهده أوروبا من تفجيرات ليس كافياً لإيجاد الحل، فالجزء الأكبر من الحل يكمن في العودة إلى الداخل الأوروبي، حيث الجالية المسلمة فيها إما أنها تعزل نفسها عن المجتمع الأوروبي الذي تعتقد أنه لا يتناسب وسلوكيات المسلم، علماً بأن الحكومة البريطانية بصدد إلزام الجاليات المسلمة بالانفتاح على الثقافة البريطانية وإلا ستلغي الإقامة لهم. وإما أن تلك الجاليات يتم «تهميشها» في العيش وإسكانها في تجمعات خاصة بها، ربما لأسباب لها علاقة بالخوف منهم، وبالتالي فالمشكلة أوروبية قبل أن تكون خاصة بالمسلمين في الشرق الأوسط أو العالم العربي. لذلك فالقضية هنا اجتماعية وفكرية، وتحتاج إلى تركيز الأوروبيين على البحث من الداخل بعيداً عن الجانب الأمني فقط، والذي فشل في تعقب المتطرفين ومنعهم من القيام بأعمال إرهابية، وكذلك لأنه لا يمكن اقتلاع الدين الإسلامي من المجتمعات الغربية، كما أنه من الصعب إعادة كل المسلمين، أو ذوي الأصول العربية إلى بلدانهم الأصلية، فإنه لابد من تعاون مع الدول الإسلامية ومع مرجعيات إسلامية للوقوف على التفاصيل الصغيرة لسد منابع الإرهاب. يرتكب المحللون للوضع البلجيكي خطأ جسيماً حين يحمِّلون الدول العربية والإسلامية مسؤولية ظاهرة التفجيرات الإرهابية باعتبارها مصدر الفكر المتشدد، ويتناسون الأسباب المحلية في مجتمعاتهم الجديدة. ندرك أن مشكلة القيادات السياسية والمجتمعية الغربية مع المسلمين وليس الإسلام كدين، بل ندرك أن النخبة الأوروبية مقتنعة تماماً بأن الإسلام أكثر رحابة وتسامحاً مما يقول عنه أصحابه، وإنما المشكلة في الذين قدموا أنفسهم على أنهم يعبرون على الإسلام بالقوة والقتل، وأوجدوا حالة من الخوف لدى الناس العاديين.