لم يزل تنظيم «داعش» الإرهابي يحظى بمساحة من الحرية والحركة في المناطق الشاسعة بين العراق وسوريا، وكل بشاعات «داعش» وإرهابها وإجرامها لم يأت لكونها تنظيماً خارقاً، بل أتى من التخاذل الدولي عن مواجهة الحقائق وخلق الحلول للأزمات الكبرى في المنطقة. لم يكن لتفجيرات تنظيم «القاعدة» في الولايات المتحدة الأميركية ولا في بريطانيا ولا في غيرها من الدول وعلى رأسها الدول العربية والدول المسلمة أن تكون لولا أنها وجدت ملاذات آمنة في السودان وفي أفغانستان، والشأن في تنظيم «داعش» مثله في تنظيم «القاعدة»، فلم يكن لهذا التنظيم أن ينشر شروره في بعض دول الخليج كالسعودية والكويت، وفي بعض الدول الأوربية لولا الملاذ الآمن الذي وجده في سوريا والعراق. لقد ثبت أن كل الطرق في قوة تنظيم «داعش» تؤدي إلى إيران ونظام بشار الأسد وجماعة «الإخوان المسلمين»، وبمجرد أن اتجهت تركيا إلى التحالف مع المملكة العربية السعودية في ملف الإرهاب وحل الأزمة السورية إلا ووجدت نفسها ضحيةً للتفجيرات المتعددة والمتوالية، وما إن اضطر تنظيم «داعش» إلى الانسحاب من «تدمر» حتى أسلمها لنظام بشار الأسد، وما تجمّع الإخوان المسلمون في بلدٍ إلا ورثوه جماعات الإرهاب، حدث هذا في مصر والسودان وغيرهما، وهو ما يحدث اليوم في مركز الثقل «الإخواني» الجديد في تركيا، ويخشى أن يجر وباله على دولة أخرى في هذا المركز الجديد. تنظيم «داعش» يعمل براحة كبيرة ودون ضغوطٍ تذكر طوال السنوات الماضية، معتمداً على حلفائه السابق ذكرهم، ومعتمداً على التخاذل الدولي في مواجهته، وهو جعل نصب عينيه استهداف السعودية من جهةٍ وهو اليوم يستهدف الدول الأوروبية، وهو يخطط ويدرب ويجنّد في مواقع نفوذه في العراق وسوريا كما في اليمن وليبيا كما يمتلك أدوات ضخمة للتجنيد عبر مواقع الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ويستهدف الأطفال، وهو استطاع اختراق المجتمعات الأوروبية وتجنيد عناصر أوروبية محضةٍ ونشط كثيراً في تجمعات المسلمين في أوروبا. «تفجيرات باريس» بالأمس و«تفجيرات بروكسل» اليوم والخلايا التي يتم القبض عليها في أكثر من بلدٍ أوروبي، تثبت أن التنظيم يتجه للتصعيد مع الدول الغربية، وأن لديه العديد من العناصر والخلايا النائمة هناك، وقراءة هذه التطورات تشير أنه لن يتأخر في استهداف الولايات المتحدة الأميركية، إن لم يكن لديه خلايا جاهزة فعلياً للتحرك هناك وهي رهن إشارة قيادة التنظيم. لن يكون هناك حل لتنظيم «داعش» إلا بحربه عسكرياً من دول المنطقة والعالم أجمع، ولن ينجح ذلك إلا بحل سياسي للأزمة السورية وبضغوط سياسية لمراجعة العملية السياسية في العراق برمّتها، وذلك رهنٌ بدعم استقرار الدول ووحدتها وبسط سيادتها على كامل ترابها الوطني. لدى تنظيم «داعش» خلايا داخل الدول الأوروبية، ويسهل عليه كثيراً استغلال موجات المهاجرين من العراق وسوريا لأوروبا لإرسال قيادات وعناصر تنظيمه، وبالتالي ربطهم بالخلايا النائمة هناك، وما لم يتمّ تجفيف المنبع فستستمر المأساة. يبدو التوافق الأميركي الروسي تجاه الأزمة السورية اتجاهاً لحل فاعل ومؤثر كما يبدو التوافق السعودي الخليجي مع تركيا اتجاهاً يصب في ذات الاتجاه، فنهاية نظام الأسد وضعف التأثير الإيراني وفرض الحل العادل في سوريا ورعاية إصلاحاتٍ مهمةٍ في العراق كلها تصب في رسم ملامح نهاية تنظيم «داعش» الإرهابي أو فرض الهروب عليه. أخيراً، لن يستطيع تنظيم «داعش» الهروب لليمن لأنه سيواجه «التحالف العربي» هناك، ولن يستطيع الهرب لمصر لأنه سيواجه جيشها وشعبها، ولن يتبقى له ملاذٌ إلا في ليبيا، وهو ما يجب مواجهته اليوم وليس غداً. *كاتب سعودي