التسامح في اللغة يعني الاتساع في الإعطاء، وهو أيضاً مفهوم يعني العفو عند المقدرة، وعدم ردّ الإساءة بالإساءة، والترفّع عن الصّغائر، والسُّموّ بالنّفس البشريّة إلى مرتبة أخلاقيّة عالية. وتعود أهمية التسامح إلى طبيعته التي تٌقر الاختلاف بين البشر، وتعترف بالتنوع والاختلاف بين الأفراد، مع احترام ما يميزهم ثقافياً ونفسياً واجتماعياً. ويرتكز الإسلام على التسامح من خلال مبادئه وتعاليمه التي تدعو إلى التعامل مع كل الأديان والثقافات على أسس التسامح، والذي كان- وما يزال- الركن الأساس لانتشار دين الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها وعليه قامت الحضارة الإسلامية، ونتج عنها أبرز الاكتشافات والإنجازات العلمية والثقافية. وللتسامح عدة مصطلحات مرتبطة به ومنها: الإحسان، والعفو، والإعراض عن الجاهلين، ودفع السيئة بالحسنة، ورفع الحرج، واليسر والتيسير وعدم التعسير. ونظراً لأن دولة الإمارات العربية المتحدة قد قامت منذ إنشائها عام 1971 بتبني وتطبيق جميع مظاهر التسامح مع أتباع كل الثقافات الذين جاءوا للدولة ليشاركوا في مسيرة التنمية والبناء، فقد كان من البديهي أن تسبق الإمارات بقية دول المنطقة في وضع التسامح على رأس الأولويات الاستراتيجية للحكومة، تنفيذاً لمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي قال: «علمتنا السنوات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط» الجديد «بأننا نحتاج أن نتعلم التسامح ونعلمه ونمارسه، أن نرضعه لأطفالنا فكراً وقيماً وتعليماً وسلوكاً، أن نضع له قوانين وسياسات ومنظومة كاملة من البرامج والمبادرات». فكانت البداية عندما أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون رقم 2 لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها، ومكافحة كل أشكال التمييز، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير. ?ويحظر ?القانون ?الإساءة ?إلى ?الذات ?الإلهية ?أو ?الأديان ?أو ?الأنبياء ?أو ?الرسل ?أو ?الكتب ?السماوية ?أو ?دور ?العبادة، ?أوالتمييز ?بين ?الأفراد ?أو ?الجماعات ?على ?أساس ?الدين ?أو ?العقيدة ?أو ?المذهب ?أو ?الملة ?أو ?الطائفة ?أو ?العرق ?أو ?اللون ?أو ?الأصل ?الإثني، ?كما ?جرم ?القانون ?كل ?قول ?أو ?عمل ?من ?شأنه ?إثارة ?الفتنة ?أو النعرات، ?من ?خلال ?نشره ?على ?شبكة ?المعلومات ?أو ?شبكات ?الاتصالات ?أوالمواقع ?الإلكترونية ?أو ?المواد ?الصناعية ?أو ?وسائل ?تقنية ?المعلومات ?أو ?أية ?وسيلة ?من ?الوسائل ?المقروءة ?أو ?المسموعة ?أو ?المرئية، ?وذلك ?بمختلف ?طرق ?التعبير، ?كالقول ?أوالكتابة ?أو ?الرسم. ثم جاء القرار الحضاري بالإعلان عن إنشاء وزارة التسامح، لتتبوأ دولة الإمارات العربية المتحدة مرة أخرى قائمة الدول التي تنفذ ما تقول، والتي تؤمن إيماناً قوياً وثابتاً بأن ضمان المستقبل المشرق لا يقوم إلا على النهضة الفكرية والثقافية التي ترسخ قيم التسامح والتعددية والقبول بالآخر. وستقوم تلك الوزارة بوضع السياسات والمؤشرات التي تضمن من خلالها تحقيق أهدافها، وتعميق السلوك الإنساني والحضاري القائم على مبدأ التسامح بين أفراد المجتمع، بما يكفل حماية مكتسباتنا وبناء المستقبل المزدهر لأبنائنا. وبالتالي انتقل التسامح من كونه مبدأ وسلوكاً إلى تشريع وسياسات. ولكني أعتقد أننا بحاجة إلى ما هو أبعد من ذلك، لكي نستطيع المساهمة في تحقيق سياسات وزارة التسامح بشكل خاص ورؤية القيادة في ترسيخ التسامح بين أفراد المجتمع بشكل عام. ولذلك أعتقد أنه من الأنسب أن تقوم وزارة التربية والتعليم بتصميم منهاج دراسي يعلم النشء مفهوم التسامح منذ الصغر، وذلك في إطار استراتيجية تطوير التعليم. فالمواطن عندما يدرس مفهوم التسامح وينمو ليجده سياسة متبعة في الدولة وسلوكاً منتشراً بين الأفراد، سيكون بلا شك أفضل سفير لدولة الإمارات في التسامح بين شعوب العالم. *باحث إماراتي