تخيّل لو أن المرشحين الرئاسيين دونالد ترامب وتيد كروز اقترحا اعتماد سياسة تقضي بمراقبة آلاف المواطنين المسلمين حتى لو لم تكن تربطهم أي علاقة بالمجموعات الإرهابية. ففي هذه الحالة، لابد أن يعمدا إلى اتخاذ إجراءات مناسبة وأن يشرّعا قانوناً جديداً يسمح للشرطة بتفتيش منازل الإرهابيين المشبوهين دون مذكّرة مسبقة، ووضع المشتبه بهم تحت الإقامة الجبرية دون إذن قضائي. يبدو هذا التصور وكأنه كابوس، ويمكن للمرء أن يتخيل مدى السخط والغضب الذي سيترتب عنه. لا شك في أن النقاد والسياسيين من أصحاب الضمير الحي سوف يصطفّون ضد هذه السياسة المرعبة. وسوف يقول بعض المنتسبين إلى اليمين السياسي في الولايات المتحدة إن سلامة المواقف السياسية لا يجب أن تمثل عائقاً أمام الحرب ضد الإرهاب. لكن هذا الموقف الذي أتيت على وصفه ليس صوتاً صادراً عن سياسيي الحزب الجمهوري، بل يعكس المشهد المضاد للإرهاب في فرنسا. ومنذ الهجوم الغاشم الذي تعرضت له باريس في نوفمبر الماضي، سارعت حكومة الحزب الاشتراكي للرئيس فرانسوا أولاند إلى إعلان حالة الطوارئ في فرنسا. وتم نشر الحرس الوطني الفرنسي من أجل حماية المناطق التي تنطوي على حساسية دينية، وحول المنشآت التي تتصف بالأهمية والخطورة. ويبدو وكأن الممارسات العنيفة أيام الثورة الفرنسية عادت مجدداً من خلال الدولة البوليسية التي حذّر النقاد كلاً من كروز وترامب من تجسيدها في الولايات المتحدة لو تحققت لهما الفرصة لذلك. ويكفينا أن نستمع إلى ما قاله وزير الداخلية الفرنسي برنار كازينوف مطلع الشهر الجاري عندما وجهت إليه سؤالاً أثناء إلقائه كلمة في جامعة جورج واشنطن حول عدد المواطنين الفرنسيين الذين تتعقبهم حكومته الآن، فأجاب: «نحن نتعقب بضعة ألوف من المواطنين الأفراد، وليس من الضروري أن يكونوا جميعاً من الإرهابيين». وأضاف أن وزارته تعمل مع مصالح المخابرات الحليفة والجامعات للتحرّي عن الشبان صغار السن الميّالين للتطرف. وأشار إلى حادثة سجلت مؤخراً عندما عمد طالب في المرحلة الثانوية في إحدى مدارس مدينة مرسيليا، لا ينتمي إلى أي منظمة إرهابية، إلى محاولة اغتيال معلمه. وقال في تعقيبه على هذه الحادثة: «إن الصعوبة التي نواجهها هذه الأيام في مكافحة الإرهاب لا تعود إلى ضعف أجهزة المخابرات التي نمتلكها، بقدر ما تتعلق بصعوبة تحليل البيانات التي نحصل عليها. وعندما وصلتنا إشارة ضعيفة تتعلق بهذا الشخص الذي نتحدث عنه، وظهر لنا أنه غير متورط في النشاطات الإرهابية، لم يكن هذا يعني بأنه ليس إنساناً خطيراً». ولم تقتصر هذه الإجراءات على فرنسا وحدها. ففي المملكة المتحدة، اعتمدت المؤسسات الصحية على المستوى الوطني برنامجاً يهدف إلى تشجيع المواطنين على رفع تقارير بجيرانهم الذين تبدو عليهم مظاهر الانحراف باتجاه التطرف والفكر الراديكالي. والقصد من هذا البرنامج هو التدخل الاستباقي قبل أن يتحول الشخص المشبوه إلى شخص خطير. ومن جهة أخرى، هناك تعاون وثيق بين الموظفين الاجتماعيين والشرطة البريطانية لمنع المراهقين من الانضمام إلى صفوف الجهاديين. وقد لا يحتاج المرء لأكثر من إلقاء نظرة على الصور التي التقطت الأسبوع الماضي من المناطق المجاورة لمكان الانفجارات في بروكسل، حتى يفهم ما الذي دعا إليه «كروز» يوم وقوع الهجوم عندما قال إن على الشرطة أن تنظم الدوريات من أجل تأمين المناطق المجاورة لأحياء المسلمين في الولايات المتحدة. ولحسن الحظ، تختلف الولايات المتحدة عن أوروبا، ذلك لأن التجمعات الإسلامية فيها أكثر اندماجاً في المجتمع العام مما هي حال التجمعات الإسلامية في البلدان الأوروبية. وأنقل هنا عن «سيموس هيوغز»، المسؤول السابق في مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والذي أشار إلى أنه لا توجد إلا حالات قليلة للجماعات الإسلامية التي تدعو إلى العنف في الولايات المتحدة. وأضاف ملاحظة مهمة عندما قال: «في الولايات المتحدة لا تميل التجمعات البشرية إلى التطرف، لكن الأفراد يمكن أن يقعوا فيه». ويمكننا أن نجزم الآن بأن وضع الحواجز الرقابية على الحواضر المجاورة لتجمعات المهاجرين المسلمين في الولايات المتحدة لن تؤدي إلى منع الهجمات الإرهابية، وبأن سعي فرنسا لتكليف الشرطة بخوض الحرب ضد الإرهاب لا يمثل نهاية الحرب، بل إنه مجرد مؤشر على بداية عودة الدولة البوليسية. ـ ــ ــــ ــ ـ ـ ـ ـ ـ إيلي ليك ----------------------- محلل أميركي متخصص في السياسات العامة والعلاقات الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»