لكي تكون هناك تنمية اقتصادية، لابد من وضع برنامج اقتصادي يضع المستقبل في حسابه وهو ما يعادل التخطيط. فالتخطيط هو مجموع الوسائل والغايات التي تستخدم من أجل تنمية الثروات والخدمات في مجال معين. ويختلف التخطيط من بلد لآخر ومن نظام لآخر ومن سلطة لأخرى. فالتخطيط في البلاد الاشتراكية مثلاً ضرورة حتمية أكثر من كونه نتيجة لنظرية مسبقة من منظري الماركسية، فنظراً لنقص المواد الأولية ركز الاتحاد السوفييتي السابق على ضرورة توزيعها. ولم يطبق التخطيط الكامل بالفعل إلا بعد أن استولت الدولة على وسائل الإنتاج، فأصبح الاتحاد السوفييتي ثاني قوة في العالم بعد أن كان بلداً متخلفاً سنة 1917. وبصرف النظر عن النظرة الماركسية، استطاع الاتحاد السوفييتي استخدام كل مصادر الثروة الوطنية. وفي البلاد الرأسمالية، نجد أن التخطيط قد بدأ في ألمانيا، قبل الحرب العالمية الثانية. فبصرف النظر عن الخطط الجزئية، وضعت خطة للتنمية القومية، وقد تأخر التخطيط في ألمانيا لعدة أسباب منها: وفرة المواد الأولية، وغياب التكامل الاقتصادي في المنطقة (مثل السوق الأوروبية فيما بعد)، وغياب التخطيط العام على مستوى المؤسسة أو على المستوى المحلي، وكذلك انعدام الإحصائيات الكاملة أو الدقيقة. وقد نشأ التخطيط في البلاد الرأسمالية، بدافع من المنافسة ومن أجل المحافظة على المصالح الخاصة، لا تحقيقاً للاحتياجات العامة. صحيح أن الاقتصاد كان موجهاً من الأقلية الضاغطة، ولذلك زاد دخل الأغلبية وبدأت الشرائح العاملة بعد زيادة التعليم والتعاونيات تمارس دورها كجماعة ضاغطة على الحكومات، فأصبحت القوى إلى حد ما متعادلة، فتحولت مصالح الخاصة إلى مصالح عامة ولكن انتقل الاستغلال والاحتكار إلى نطاق العلاقات الدولية، فضُحي بالبلاد الفقيرة من أجل البلاد الغنية، وتحول رأس المال الوطني إلى استعمار عالمي كما يقول لينين. والفرق في التخطيط في البلاد الرأسمالية عنه في البلاد النامية هو درجة توجيه الدولة للاستثمارات، وسرعة تطبيق هذه التوجيهات. ففي البلاد الرأسمالية، يتم التوجيه بطريق غير مباشر كالضرائب، والقروض، والمعونات، ولكنها لا تصل إلى مستوى التخطيط في البلاد الاشتراكية، فتظل المصالح الخاصة قوية. أما التخطيط في البلاد النامية فيستمد تجاربه من البلاد الرأسمالية والبلاد الاشتراكية على حد سواء. ولكن أجهزة التخطيط فيها غير فعالة، فضلًا عن عيوب في البناء الاجتماعي نفسه الذي هو العقبة الكبرى أمام التخطيط السليم، وكذلك ما يمكن تسميته «عتبة البداية» أي مَن القائم على شؤون التخطيط ولمصلحة من يتم التخطيط؟ ويمكن إجمال العقبات في نوعين: عقبات اقتصادية وعقبات اجتماعية: وأهم العقبات الاقتصادية هو نقص الاستثمارات الإنتاجية، ونقص الخبرة البشرية المتخصصة، بالإضافة إلى عيوب خطة التنمية ذاتها أحياناً ووجود التخطيط في يد الشريحة الحاكمة، أو الجماعات الضاغطة المرتبطة بها، والمتفقة معها في المصالح والأهداف. أما العقبات الاجتماعية، فهي تأتي من تكوين الجماهير التي لا تستطيع بسهولة ممارسة الضغط الكافي لتوجيه سياسة الشريحة الحاكمة، وأهم هذه العقبات هي أولًا: نقص الاهتمام، وفقدان الحماس، وعدم الثقة بالنفس، واللامبالاة بكل ما يدور حولها. ثانياً: نقص في النظام، وذلك لغياب الحركة الاجتماعية بداخلها وإطلاق الشعارات دون تحقيق لها. ثالثاً: سلبية الإعلام أحياناً، وعدم توعيته للجماهير، ونقص عمليات التوعية الجماعية. وقد تبادر الجماهير في البلاد النامية بتكوين جماعات للضغط السياسي، إما عن طريق الإعلام، أو عن طريق القوة المعنوية للرأي العام، أو بالضغط السياسي والاقتصادي والاجتماعي، من أجل تغيير بعض قواعد البناء الاجتماعي: العائد، الاستثمارات، الاستهلاك، نظم التعليم، التنظيم الإداري، العلاقات الدولية. وقد يتم تحفيز إرادة التقدم ورؤية المستقبل للشرائح الحاكمة مواكبة لتطلعات الطبقات الشعبية.