يهاجم العديد من الكتاب والسياسيين الإسرائيليين حكومة بنيامين نتنياهو لفقدانها خطة لمواجهة «هبّة ترويع الإسرائيليين» الفلسطينية، بل هم يصرون على أنها أضحت «انتفاضة مختلفة»، أي ليست كالانتفاضتين الأولى والثانية. وقد جاء بيان ذلك على لسان رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الحرب الإسرائيلي الجنرال غادي أيزنكوت، حين أوضح أن «الموجة الحالية لا تشبه الانتفاضة الأولى ولا الثانية، حيث لا توجد لها قيادة محدّدة، وما نراه هو نمط جديد من النشاط ذو قوة داخلية تتغذى من أحداث خارجية». ثم طالب وزير الزراعة الإسرائيلي «أوري أريئيل»، من حزب «البيت اليهودي»، وزيرَ الحرب «موشيه يعلون» بإلغاء زيارة مقررة إلى الولايات المتحدة بسبب «حالة الحرب التي تمر بها (الدولة) حالياً». فما هي المعالم المستجدة لهذه «الهبّة»؟ أولاً: تصاعد العمليات المنظمة وإطلاق النار من الشبان الفلسطينيين، رغم الإعدامات الميدانية. فالكاتب «الون بن دافيد» يقول: «الفلسطينيون ينظرون إلينا ويضحكون. إحدى مزايا الانتفاضة الحالية هي الاحتقار الذي يظهره الفلسطينيون لإسرائيل وممثليها في الميدان. ففي مواجهات مع الجيش الإسرائيلي في أيام الجمعة، يمكن أن نرى فلسطينيين يرقصون، يسخرون، يتصورون سلفي. ليس لديهم أي خوف من صاحب السيادة الإسرائيلية. هم ينظرون إلينا وهم مقتنعون بأننا سنأخذ بأنفسنا حتى نهايتنا. يرون كيف تغلق المدينة العبرية الأولى على نفسها أبواب منازلها ولا تبعث بأبنائها إلى المدرسة، مجمدة من الخوف من ذاك (المخرب) الذي نجح في هز الشرطة والمخابرات». ثانياً: وقوع عمليات مؤلمة للدولة الصهيونية داخل فلسطين 48، حيث يتخوف الإسرائيليون من امتدادها بين الشبان هناك، فيشمل الصراع فلسطين المحتلة بكاملها. وقد تجلى الخوف في تصريحات بعض القادة الإسرائيليين. فمثلاً، سارع المفتش العام للشرطة الجنرال «روني الشيخ» بالقول: «لا علاقة بين العمليات التي وقعت في يافا والقدس وبيتاح تكفا، الحديث يدور عن أعمال أفراد». وإثر هذه العمليات قررت الحكومة الشروع في سد ثغرات في جدار الفصل العنصري المحيط بالقدس وبناء جدار جديد في منطقة ترقوميا (قضاء الخليل). كما تقرر تسريع إجراءات سن قانون يقضي بمعاقبة كل من يقوم بنقل أو توفير مبيت لفلسطينيين يقيمون في 1948 بصورة «غير مشروعة». ويقول «يوسي ميلمان»، المعلق العسكري في «معاريف»: «الهجمات يمكن أن تحدث في كل مكان، في المناطق، وفي القدس الشرقية، أو في أي مكان داخل حدود الخط الأخضر. إنها انتفاضة تعجز عن مواجهتها أجهزة الأمن العام (الشاباك) وشرطة وجيش إسرائيل». ثالثاً: قابلية ضعف الجبهة الداخلية الإسرائيلية وقدرتها على التحمل. وفي هذا يقول المحلل العسكري في «يديعوت أحرونوت» (أليكس فيشمان): «الجبهة الداخلية الإسرائيلية قابلة للإصابة أكثر مما اعتقدنا، فالحديث لا يدور فقط عن الخوف وتأثيره على مجريات الحياة ومعنويات الإسرائيليين وحسب، بل أيضاً الخوف الذي عكسه رؤساء الأجهزة الأمنية من انكشاف نقاط الضعف في الجاهزية الإسرائيلية للجبهة الداخلية». وفي مقاله «الانتفاضة الأكثر خطراً»، يقول المسؤول البارز السابق «إيتان هابر»: «الانفعال الجماهيري، وبالطبع الإعلامي، أشد حدة في الانتفاضة الحالية؛ لأن الإحساس العام -كما يبدو لي- هو أنه لا نهاية، ولن تكون هناك نهاية، لهذه الهجمات. فبعد الانتفاضة الحالية ستأتي الانتفاضة المقبلة، وبعدها واحدة أخرى، وهكذا. يا ربّاه، هذا لن ينتهي أبداً؟ هذه الانتفاضة أشد خطراً علينا لأن من يقوم بها الشباب الفلسطيني المحبط والمكتئب. إنهم، من ناحيتنا، جيل ضائع. سيبلغون سن المراهقة مع الكراهية والسكاكين، وسيحولون شبابهم إلى أسطورة فلسطينية. وسنلقاهم في المستقبل». ويختم: «الجديد، خلافاً للانتفاضتين السابقتين، هو الإحساس بأن هذا الأمر لا نهاية له. أولاد أولاد الفلسطينيين الحاليين – الذين يشارك جزء منهم في هذه الانتفاضة– سيكونون جزءاً من الانتفاضات المقبلة أيضاً. إن أطفال اليوم هم مقاتلو الغد. للشعب الفلسطيني لا يوجد مال ولا طعام، ولكن يوجد لديه أناس بكثرة الرمال على شاطئ البحر. ربما نحن نستخف بهم، لكنهم لا يستخفون بنا». رابعاً: تنامي دور شبكات التواصل الاجتماعي التي بات الكثير من الإسرائيليين يرونها جذر المشكلة. ففي مقال للمعلق العسكري «روبن بن يشاي» يقول: «تختلف انتفاضة الشباب العفوية التي نحن اليوم في ذروتها عن كل المواجهات التي خَبِرتها دولة إسرائيل منذ قيامها. فنجاح (إرهابي) واحد أو اثنين ينتشر خلال دقائق على شبكات التواصل الاجتماعي وبواسطة الإعلام ويتحول إلى نموذج للمحاكاة». ويضيف: «هذا النموذج الفوضوي من الصعب إحباطه وحتى مواجهته. ويجب أن نعترف بأننا في مواجهة هذه الانتفاضة، نحن الإسرائيليين، نقف عاجزين. والأخطر من ذلك أن انتفاضة الشباب العفوية بنمطها الحالي يمكن أن تتحول، في لحظة واحدة ومن خلال حدث واحد، إلى انتفاضة مسلحة شعبية شاملة.. ليتنا نستطيع إغلاق شبكات التواصل الاجتماعية الفلسطينية، وجميع وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية التي تنشر التحريض، لكن هذا مستحيل تقريباً».