أدى النجاح المتواصل لحملة رجل الأعمال دونالد ترامب الساعي للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية الأميركية، المقرر إجراؤها في شهر نوفمبر 2016، إلى توليد رد فعل غير عادي داخل الحزب الجمهوري وبين العديد من أعضاء وأنصار الحزب الديمقراطي أيضاً، لاسيما في صفوف الأقليات وأوساط المؤيدين اليساريين للمرشح الديمقراطي بيرني ساندرز. ويتخذ المحتجون اليساريون تكتيكات عدوانية على نحو متزايد لعرقلة التقدم السياسي لترامب. وفي يوم 10 مارس الجاري، قاموا بإجبار حملة ترامب على إلغاء تجمع كبير كان يجري تنظيمه في شيكاغو. ووقعت مواجهات مشابهة خلال الأسبوع التالي، وبدأت في التسارع بعد انتصارات ترامب الكاسحة في 15 مارس عندما حقق فوزاً حاسماً على منافسيه في فلوريدا وأجبر «ماركو روبيو»، عضو مجلس الشيوخ عن الولاية، على التخلي عن حملته من أجل الترشح لمنصب الرئاسة. وفي يوم 19 مارس، تسبب المتظاهرون المناهضون لترشح ترامب في حدوث فوضى كبيرة في فينيكس، في ولاية أريزونا، حيث فاز ترامب في الانتخابات التمهيدية التي شهدتها الولاية يوم 22 مارس. وقد شجعت تكتيكات اليسار مؤيدي ترامب القادرين على ادعاء أن اليسار يحاول إسكات الحملة وبالتالي التعدي على حقوقهم في حرية التعبير التي يكفلها التعديل الأول من دستور الولايات المتحدة الأميركية. ومن وجهة نظر ترامب، فإن التحديات القادمة من حزبه تعد أكثر خطورة وتهديداً من التحديات التي تمثلها مشاكسات اليسار، خصوصاً أنه لم يفز حتى الآن بالعدد السحري من الـ1237 مندوباً، العدد اللازم لضمان ترشيحه في مؤتمر الحزب الجمهوري المقرر عقده في كليفلاند في شهر يوليو المقبل. وأقرب منافس لا يزال يخوض السباق على ترشيح الحزب الجمهوري، إلى جانب ترامب، هو عضو مجلس الشيوخ عن ولاية تكساس «تيد كروز» الذي يتمتع بتأييد قوي بين الجمهوريين الأكثر محافظة، لكنه غير محبوب من قبل العديد من زملائه، لاسيما في مجلس الشيوخ الأميركي. ورغم ذلك، فبالنسبة لبعض أعضاء مجلس الشيوخ، ومن بينهم «ليندسي جراهام» (عن ولاية ساوث كارولينا)، فإنه حتى «كروز» يبدو مفضلا لدى الكثيرين على ترامب. إن كروز يبذل كل جهد ممكن لإقناع المنافس الآخر الوحيد المتبقي لترامب، وهو حاكم أوهايو «جون كاسيتش»، بإنهاء حملته وتوحيد جهوده معه، لكن كاسيتش يعتبر نفسه المرشح الأكثر قابلية للانتخاب بين المرشحين الثلاثة المتبقيين في الانتخابات التمهيدية الجارية حالياً. ومشكلته هي أنه -باستثناء ولايته التي فاز فيها بالكاد في 15 مارس- لديه عدد أقل بكثير من المندوبين، مقارنة بترامب أو كروز. وأمل المؤسسة الجمهورية هو أن ألا يأتي أي من المرشحين إلى المؤتمر العام للحزب بعدد كاف من المندوبين للفوز بأول جولة من التصويت. وفي حال فشل المرشحون الثلاثة في الحصول على أغلبية، من الناحية النظرية، يمكن للجنة القواعد أن تختار شخصاً آخر تعتقد أنه مرشح جدير بمواجهة هيلاري كلينتون، أو في الحالات القصوى، بيرني ساندرز. وقد ذكر كل من ترامب وكروز أن أي مرشح مفروض على الحزب دون خوض الانتخابات التمهيدية الصارمة، سيكون غير مقبول بأي وجه من الوجوه لدى جماهير الحزب الجمهوري. وحذر ترامب من حدوث فوضى، وحتى اندلاع عنف، إذا ما قام بعض النافذين في المؤسسة الحزبية بتخريب جهوده. في هذه الظروف قد ينهار الحزب الجمهوري وقد تقدم المؤسسة مرشحاً من طرف ثالث. وهذا سيضمن انتخاب مرشح ديمقراطي. ومع ذلك فإن الحزب الجمهوري سيكون قادراً على العودة والقتال مرة أخرى في عام 2020. والمشكلة هي أن فوز ديمقراطي من شأنه أن يجعل من المرجح جداً أن يهيمن الليبراليون على تشكيل المحكمة العليا الأميركية لسنوات عديدة، وأن تصبح جميع القضايا الرئيسية لقيم المحافظين، ومن بينها حرية امتلاك السلاح والقيود المفروضة على عمليات الإجهاض وخفض الضرائب، بما في ذلك إلغاء برنامج «أوباما كير».. في خطر حقيقي. مثل هذه الاضطرابات المثيرة جعلت بعض الجمهوريين يبدأون التفكير في المستحيل: قد يكون ترامب أفضل من هيلاري كلينتون أو تيد كروز. لقد أعلن كروز عن فريقه للأمن القومي في الأسبوع الماضي، وهو يتضمن عدداً من أكثر الدعاة المناهضين للإسلام تشدداً في مجتمع المفكرين الأميركي. وقد قرر كروز أن يؤيد ترامب في معظم قضايا السياسة الخارجية وهذا يجعله حتى أكثر خطراً من ترامب، الذي هو، على أي حال، رجل أعمال ويستطيع عقد صفقات مع الخصوم. إنه من نيويورك ويعرف في داخله أن التوصل لحل وسط هو غالباً عمل جيد.