طلب نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية موعداً للقاء الرئيس أوباما. وجاء الجواب سريعاً بالترحيب. وحُدد الموعد بالفعل. غير أن نتنياهو غيّر رأيه. فبعث مكتبه برسالة إلى الصحافة الأميركية -وليس إلى البيت الأبيض- يعرب فيها عن عدم زيارة الرئيس، من دون أن يغير في موعد أو في جدول أعمال زيارته للولايات المتحدة! لم يسبق أن تعرّض رئيس أميركي إلى مثل هذه الإهانة بأن يلغي رئيس حكومة أجنبية الموعد من جانب واحد. وأن يتبلغ البيت الأبيض الخبر من الإعلام وليس عبر رسالة اعتذار رسمية. صحيح أن ثمة تبايناً في الآراء بين نتنياهو وأوباما حول الاتفاق النووي مع إيران، وحول المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة، إلا أن الاختلاف في وجهات النظر شيء والإساءة إلى منصب الرئيس وإلى رمزيته شيء آخر. من الواضح أن نتنياهو الذي يترأس الحكومة الأشد تطرفاً في تاريخ إسرائيل يراهن على الرئيس الأميركي الجديد. فهو يريد من الولايات المتحدة، أي من الرئيس المقبل، أن يستجيب لمطالب إسرائيل الثلاثة: أولاً: دفن مشروع حل الدولتين (إسرائيل وفلسطين). ثانياً: رفع المساعدات لإسرائيل من 3,1 مليار دولار سنوياً إلى 4,1 مليار. ثالثاً: إدخال إسرائيل في النظام الإلكتروني للمعلومات بحيث يمكّنها من مشاركة الولايات المتحدة معرفة كل صغيرة وكبيرة في أجهزة المخابرات والتجسس التابعة لمختلف دول العالم. ويراهن نتنياهو على الرئيس الأميركي المقبل، بعد أن دخلت رئاسة أوباما أشهرها الأخيرة. يبدو واضحاً من استطلاعات الرأي ومن نتائج الانتخابات الأولية التي جرت حتى الآن في مختلف الولايات، أن المعركة الرئاسية قد تنحصر بين اثنين، هما المرشح الجمهوري دونالد ترامب، والمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وهناك احتمال -ولو ضعيف- لاقتحام المرشح الديمقراطي الآخر «بيرني ساندرز» المعركة أيضاً. غير أن ساندرز، وهو يهودي وعضو في مجلس الشيوخ، قاطع في العام الماضي جلسة المجلس التي خصصت للاستماع إلى خطاب نتنياهو. أما كلينتون فلم تكن على توافق مع نتنياهو عندما كانت وزيرة للخارجية. وفي الواقع فإن علاقات زوجها، الرئيس الأسبق للولايات المتحدة بيل كلينتون مع نتنياهو كانت دائماً سلبية ومضطربة باستمرار منذ منتصف التسعينيات. صحيح أن الحزب الجمهوري الأميركي أكثر انفتاحاً على إسرائيل وأشد تعاطفاً معها من الحزب الديمقراطي، إلا أن دونالد ترامب ليس بالضرورة، الرجل الذي يمكن أن يعكس هذا الانفتاح. فهو أولاً ملياردير ليس بحاجة إلى المال اليهودي لتمويل حملته الانتخابية، ثم إنه رجل مزاجي يصعب التكهن بمواقفه. وقد سبق له أن صرّح بأنه انطلاقاً من حياده سيعمل على تحقيق «صفقة» بين إسرائيل والفلسطينيين. ولكن أوباما كان حيادياً أيضاً.. ولم يتمكن، أو لم تمكّنه إسرائيل من إبرام أي صفقة. وكذلك وصف ترامب نفسه بأنه صديق كبير لإسرائيل. ولكن من هو الرئيس أو المرشح للرئاسة في الولايات المتحدة الذي لا يصف نفسه بأنه صديق لإسرائيل؟ غير أن مفهوم الصداقة بالنسبة لنتنياهو هو الاستجابة التامة وبعيون مغلقة لكل طلبات إسرائيل السياسية والعسكرية والاقتصادية وكذلك الاستخباراتية. وهو ما لم يفعله أوباما. ومن المرجح ألا يفعله حتى ترامب أيضاً إذا وصل إلى البيت الأبيض.. ومن المؤكد أن هيلاري كلينتون ومن خلال تجربتها المريرة مع نتنياهو عندما كانت وزيرة للخارجية، لن تفعله أيضاً. هناك مفهومان متناقضان للتعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي: -مفهوم إسرائيلي يقوم على أساس التفوق الكلي لإسرائيل في كافة الميادين وبدعم مطلق من الولايات المتحدة لفرض شروط التسوية كما تراها إسرائيل، بما في ذلك القضاء على مشروع الدولتين. -ومفهوم أميركي يقوم على أساس أن القوة بكل مظاهرها لا تفرض تسوية دائمة، وأنه لابد من أجل سلامة إسرائيل ذاتها من تسوية تكون مقبولة من الفلسطينيين ومن العرب. وأن مثل هذه التسوية تحتاج إلى مرجعية دولية تصدر عنها وتتحمل مسؤولية العمل على تنفيذها. وهذه المرجعية هي مجلس الأمن. على أن تشمل التسوية قضايا الحدود وتبادل الأراضي واللاجئين والقدس. وليس من المتوقع في الأشهر القليلة المتبقية من ولاية أوباما أن تبصر النور مثل هذه التسوية، فهل يورثها أوباما لخلَفه؟ في عام 2018 ينتهي اتفاق التعاون الاستراتيجي بين إسرائيل والولايات المتحدة. وسيتولى الرئيس الأميركي المقبل تجديد هذا الاتفاق (السياسي- العسكري) أياً يكن هذا الرئيس العتيد. فهل تكون التسوية السياسية مدخلاً إلى تجديد الاتفاق، أم تكون ضحية له؟