في وقت مازالت فيه باريس تتعافى من هجوم نوفمبر الفظيع الذي أسفر عن مقتل 130 شخصا، تعيش فرنسا مجدداً في حالة تأهب قصوى بعد اعتقال أربعة متطرفين أفادت التقارير بأنهم كانوا يخططون لجولة جديدة من الهجمات الإرهابية. مرحبا بكم في الوضع العادي الجديد! فتنظيم «داعش» أخذ يظهر في كل مكان. وقائمة البلدان التي أعلنت عن وجود تهديدات من التنظيم ضدها، من ساحل أميركا الغربي إلى شرق آسيا، ما فتئت تطول. صعوبة رصد واستشراف ومنع هذا التنظيم تكمن في الأشكال المختلفة التي يظهر بها في أماكن مختلفة من العالم. ولعل المعلومات التي كشفت عنها وثائق لـ «داعش» حصلت عليها الصحافة البريطانية مؤخراً تساعد على فهم أسباب وجود أخطر الشبكات وأكثرها إثارة للقلق حاليا في أوروبا الغربية. ذلك أن عدد المتطرفين الذين يسعون لإقامة موطئ قدم لهم في القارة يبعث على الخوف، والأهداف المغرية كثيرة. هذا الأمر يفسر لماذا يشكّل تدفق اللاجئين على أوروبا تحدياً أمنياً كبيراً. فالأمر لا يتعلق فقط بحقيقة أن بعض الإرهابيين قد يتخفون ويختبئون وسط تدفق اللاجئين فحسب، لأن الإرهابيين يستطيعون إيجاد طرق عديدة للسفر من بلد إلى آخر، ولكن المشكلة بالنسبة لأوروبا هي أن الإرهابيين الذي يسافرون إلى هناك يستطيعون الانضمام إلى الشبكات الموجودة بسهولة. في بعض الحالات تتشكل هذه الشبكات البشرية وتتطور عندما يعود المقاتلون من العراق وسوريا، أو عندما يقوم مقاتلون أجانب مازالوا في ساحة القتال بربط الاتصال مع متطرفين في بلدانهم الأصلية من أجل «تعزيز العلاقات». وفي حالات أخرى، يقوم منظمو «داعش» بالاتصال باحتياطي جاهز من المتطرفين في بلدانهم. وعلى سبيل المثال، فقد اعترفت السويد مؤخراً بأن لديها 300 مقاتل غادروا للقتال لحساب «داعش» في سوريا والعراق، وهو رقم كبير بالنسبة لبلد صغير مثل السويد. على أن أرقام المقاتلين الذين ذهبوا من فرنسا وبلجيكا يُعتبر أكثر إخافة وإثارة للقلق. بيد أن العلاقات بين الإرهابيين في سوريا والعراق وبلدان أخرى ليس مشكلة أوروبية فقط، ذلك أن هذه الشبكات أخذت تظهر عبر العالم وتنتشر، من أستراليا وإندونيسيا في أقصى الشرق إلى تونس في شمال أفريقيا وترينيداد في الكاريبي. وفي الولايات المتحدة، عرف عدد المخططات المرتبطة بإسلاميين متطرفين ارتفاعاً خلال الأشهر الأخيرة، بينما ألقى المسؤولون الأمنيون في الهند القبض مؤخراً على 14 شابا شكّلوا خلية تابعة لـ«داعش». في معظم هذه الأمثلة، يبدو أن الأمر يتعلق بجهود عشوائية من قبل أشخاص يقومون بمحاكاة «داعش» أو يطمحون للانضمام إليها. لا نقصد بذلك القول إن التهديد ليس حقيقياً، ذلك أن الإرهابيين المتجولين المنفردين ليسوا أقل خطورة من المتطرفين الذين يتلقون الأوامر من التنظيم المركزي. ولكن الحقيقة هي أنه ليس ثمة نسق محدد لكيفية انتشارهم. خطر الشبكات الإرهابية يعكسه أيضاً استعمالها للإنترنت. وقد قيل وكتب الكثير حول كيف يستغل «داعش» وسائل التواصل الاجتماعي والشبكة العنكبوتية في التواصل والتجنيد، وكذا في التحريض على أنشطته المميتة وتنسيقها. ولكن المهم هو المكان الذي يرسلون منه تغريداتهم، وليس كم التغريدات التي يرسلونها. والأكيد أن الإنترنت تمثّل إضافة قوية لما يستطيع الإرهابيون القيام به. وعليه، فإذا كان «داعش» قد أضحى ظاهرة عالمية، فإن الكيفية التي يقدم بها التنظيم نفسه محليا تبدو مختلفة باختلاف الأماكن. ففي بعض البلدان، يشكّل الاستقطاب والتجنيد في المساجد والسجون مشكلة كبيرة، خلافا لما عليه الحال في بلدان أخرى لا يمثّل فيها ذلك مشكلة. وعلى الرغم من أن «داعش» قد يظهر بوجه مختلف في أرجاء مختلفة من العالم، فإن الأكيد هو أنه طالما أن القلب مزدهر، فإن ثمة أسباباً كثيرة تجعلنا نتوقع أن تواصل الشبكات نموها، أو أنه إذا ما تم تقليصها، فإنها ستكون قادرة على الانبعاث والتجدد. والمقصود بالقلب هنا، بالطبع، هو ما يسمى «دولة الخلافة»، التي يزعم «داعش» إقامتها في العراق وسوريا. سحقها قد يؤدي إلى نهاية الجهد الحالي ويفضي، بدوره، إلى تغذية ظهور حركة تمرد إسلامي عالمية. إلا أن ذلك قد لا يكون كافياً أيضاً. ذلك أن «داعش» خطى منذ بعض الوقت خطوات نحو تحويل ليبيا إلى قاعدة بديلة للعمليات في حال فقد الكثير من الأراضي في العراق. وعلاوة على ذلك، فإن «القاعدة» دشنت عودتها إلى الواجهة. وهي تنتظر فقط رؤية سقوط علم «داعش» الأسود لتستعيد ولاء الشبكات الإسلامية اليائسة حول العالم – مانحة إياهم مركزاً جديداً، ومما لا شك فيه أن الفوز في الحرب على الإرهاب ممكن، ولكنه سيتطلب جهدا طويلا وتصميما كبيرا وتخطيطا محكما. جيمس جاي كرفانو: نائب رئيس «معهد ديفيس للأمن الوطني والسياسة الخارجية» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»