إذا تم تفعيل إعلان نظام فيدرالي من قبل أكراد شمال سوريا بدعم من النظام السوري ومن يرسم له الخطوط العريضة على أرض الواقع، سيقابل ذلك إعلان أكراد العراق الاستقلال بالرغم من صعوبة اتفاق أكراد العراق على التفاصيل. والدول الكبرى كالعادة- ووفق التصميم الأكبر- تحترم رغبة الأكراد في الاستقلال، لكنها تؤيد وحدة أراضي العراق وسوريا. فما معنى أن تكون عراقياً؟ ذلك السؤال الذي يضرب بجذوره في التاريخ، لا يجد إجابة يتفق عليها اثنان من طائفتين مختلفتين اليوم، وأصبح النسيج العراقي الديموغرافي آلية طائفية لتمزيق العراق والوطن ملطخاً بالسياسة، وكأن الأماكن لا تستمد أهميتها من الناس الذين يسكنون بها، فمتى تصبح للسلطات المعنية مهمة حماية الأقليات العرقية والدينية وتوفر ضمانات ملموسة من أجل العودة الآمنة إلى حياتهم الاعتيادية، فلا يعقل أن يحرموا حتى من حقهم في إدارة المواقع الروحية الخاصة بهم وممارسة شعائرهم الدينية. الكرامة والشعور بالانتماء وتحقيق الذات أمران جوهريان بالنسبة للإنسان، وخاصة في تحقيق صحته النفسية والمعنوية، والتدمير والخراب الذي لا يتوقف لهدم الإرث العراقي الحضاري لا أظنه صدفة، فـ«داعش» هاجم كل مكونات التراث الثقافي العراقي وحتى الإسلامي منه وعصور ما قبل الإسلام، وكأنها عملية مسح مقصودة، حتى لا يجد من يأتي في القرون القادمة ما يدل على المساهمة غير المسبوقة لبلاد الرافدين في الحضارة الإنسانية. والحكومة العراقية لها دور في ذلك، فهي تريد لوناً واحداً، وإرثاً واحداً للعراق، ولذلك لا تقوم حتى بإعادة هيكلة المناهج من الابتدائية إلى الثانوية لتعكس تنوع العراق الثقافي والتراثي. فمواجهة التحديات الأمنية يجب ألا تأتي على حساب تماسك العراق كدولة موحدة، وللأسف هذا الحاصل في الوقت الحاضر، بينما تمارس ممارسات إقطاعية بوضع اليد، وبحماية الدولة حيث تسعى بعض الجماعات للاستفادة من الفرص الحالية للاستيلاء على الأراضي والممتلكات وميليشيات الحشد الشعبي الشيعية العراقية، والتي يصل أعداد المنتمين إليها إلى أكثر من نصف مليون متطوع، هذه الميليشيات هي «حزب الله» العراقي، وهي الخبيرة في حرب العصابات والشوارع، وتحظى بدعم حكومي منقطع النظير، وتشكلت بفتوى دينية طائفية، ولا تعترف بالمجتمع المدني العراقي، وستحل رسمياً محل الجيش العراقي بالتدريج، وهي «إلحاق العراق عسكرياً هذه المرة، بإيران، وبصورة رسمية، وفي الطرف الآخر القبائل السُنية التي كانت العمود الفقري للنظام البعثي قبل فترة طويلة من الاحتلال الأميركي للعراق يجب أن تدفع الثمن اليوم على يد الحكومة العراقية بدافع مذهبي بحت، وكأنها عملية انتقام. وبينما تحاول الحكومة المركزية العراقية التأكيد على قيام العراق مجدداً كقوة إقليمية يعمل لها ألف حساب تؤكد الدول المجاورة أن انهيار العراق أصبح لا مفر منه تقريباً، ولذلك قررت تركيا أن تلعب دوراً قيادياً في تحرير الموصل، والقضية الحساسة جداً الوضع المستقبلي لبعض المدن الكبرى في البلاد - بما في ذلك كركوك والمناطق المحيطة بها في شمال العراق، والتي تمثل أكثر من 30? من إنتاج النفط في البلاد، واختطاف كركوك من قبل الأكراد في عام 2015، وفصل المدينة عن بقية البلاد بخندق عميق، وبمراقبة ومباركة الولايات المتحدة على إعادة توزيع الأراضي داخل العراق، حيث أن الشركات الأميركية تبحث بنشاط عن حقول النفط والغاز في تلك الأراضي مستقبلا، مما أدى لتدخل روسيا، وتدخل الصين. فالكل يريد حصته من الإرث غير الشرعي. ويبدو لي أن خطة تفكيك الدولة العراقية تم التصديق عليها وبيعت للعراق من قبل سياسيين أتى بهم الأميركان من المهجر بصفقات مسبقة لتقاسم الجائزة الكبرى.. لك الله يا عراق، ففي المنفى يعلن عن ائتلافات، وفي الداخل عن جنازات، ولا حياة لمن تنادي. ولن تستطيع القوى الشيعية العراقية أن تهزم القوى السُنية، ولا العكس صحيح مهما تم دعمهم من الخارج، ولا أحد يقدر على تحقيق الأغلبية الشيعية لمواجهة التفكك السريع في البلاد إلى ثلاث قطع على أسس عرقية ودينية، وتركيا لن تسمح بقيام عراق شيعي قوي ولا إيران ستسمح بدويلة سُنية قوية تكون شوكة في خاصرة الأمة الإيرانية. وبين هذا وذاك تقف إسرائيل تلوح بالمنديل الأبيض حتى ينتهي العراك وستكفن به الأمة الإسلامية وتنوح النائحات على كفن أمة ذهبت ريح بأسها هباءً على يد صعاليك السياسة المذهبية والتنظيمية في العصر الحديث.