لقيت زيارة كل من شيخ الأزهر أحمد الطيب إلى ألمانيا، وزيارة مفتي مصر شوقي علام إلى الهند الأسبوع المنصرم، تغطية إعلامية كبيرة، حيث التقى كل واحد منهما بمسؤولين من البلدين وصناع قرار وبرلمانيين، وبممثلين عن المسلمين من قيادات وفقهاء وأئمة. هاتان مناسبتان جديرتان بالتعليق والدراسة. إن اعتماد هيئة الإفتاء المصرية جهة مخولة موثوقاً بها من الاتحاد الأوروبي يعني أن ثمة محاولات جادة وحثيثة لإحداث تغيير هادئ في مصادر التلقي عند الأقليات المسلمة التي تعيش الآن في أوروبا. ولكن الطريق مملوء بالعقبات، ويمثل التاريخ والتجربة للمسلمين الأوروبيين في مهجرهم عائقاً كبيراً. من المهم التنبه إلى مسألة تاريخية ذات علاقة بإسلام المهاجرين المسلمين الأوائل إلى أوروبا، وخصوصاً من يعيشون في فرنسا وهم أكبر الأقليات المسلمة، فهم أيضاً يمثلون الحالة الأكثر تعقيداً في أوروبا، فغالبية هذه الجاليات أو على الأقل الجيل الأول المهاجر كانوا يعتمدون في تدينهم وتجسيدهم البسيط لإسلامهم فتاوى فقهاء تقليديين، إما مالكية وإما شوافع أو أحنافاً، وقليل جداً منهم كانوا من أتباع المذهب الحنبلي، فالمهاجرون قدموا في الأربعينيات أو الخمسينيات من مجتمعات لم تكن وقتها قد تعرضت لتمدد السلفية العلمية، ولا لتمدد السلفية الحركية/ السرورية «الإخوانية»، وقليل من المجتمعات الأصلية لهؤلاء المهاجرين من سمح بتنفس السلفية الإحيائية التي كانت تعاليم الشيخ محمد بن عبدالوهاب هي ركيزتها، حيث واجهت تعاليمه ممانعة قوية منذ القرن الثامن عشر، يقودها فقهاء ورجال طرق صوفية. ويمكننا التقاط نواة التحول عند مسلمي فرنسا القادمين من شمال أفريقيا في التنافس بين شخصيتين جزائريتين مؤثرتين في الإسلام الحركي و«التقدمي» في العالم العربي أواخر ثلاثينيات القرن العشرين، حين كانا طالبين وقتها، وهما مالك بن نبي، والفضيل الورتلاني، وقد حُسم فرنسياً في الأخير لمصلحة الإسلام الحركي الذي كان يتزعمه الورتلاني بدعم من جمعية علماء المسلمين، ومن عبدالحميد بن باديس على وجه الخصوص. علينا التنبه إلى أنه حتى الآن فإن نماذج الإحياء السني والتجديد في المحاضن السنية كانت في مآلها تنصهر أو تتقارب مع الحركية الإسلامية. ولكن التحول الكبير عند الجيل الجديد من المسلمين في أوروبا يكاد يكون منذ ثمانينيات القرن الماضي، ويمكن أن نقول الأمر نفسه أو قريباً منه عند أكثر من مئة مليون مسلم يعيشون في الهند. فهم في غالبيتهم سنة من أتباع الإمام أبي حنيفة أو شيعة وإسماعيلية، وطوائف أخرى منشقة بزغت في القرنين الأخيرين كالقاديانية. وإذا تجاوزنا الجدل حول الفروق بين الإسلام الهندي والإسلام الباكستاني، بعد انفصال باكستان والهند عام 1948، والعوامل التي أسهمت في صياغة كل واحد منهما، فإنه من المهم أن نتذكر أن السلفية الإحيائية في الجزيرة العربية لها جذور بعيدة في الهند، منذ القرن الثامن عشر، وهذه الصلة بين علماء الهند من أهل الحديث وبين الوهابيين استمرت قرابة قرنين من الزمن، منذ محمد حياة السندي، إلى صديق خان، ومن بعده. ولكن السلفيين الهنود كانوا طوال مئتي سنة أقلية لا تأثير لها، وبعد انفصال باكستان والهند تحولت باكستان إلى بؤرة تكثف أزمة الوعي الديني في بلد مقسم ومنهك ومعتل بالانقسامات والكراهية الدينية والمذهبية. ومع أن شيخ الأزهر يدعو إلى إحداث تجديد في الإسلام يجعله صالحاً للعصر، فإن التحدي الكبير الذي يمكن أن يواجهه علماء الإسلام، وشيخ الأزهر واحد منهم، هو كيف يمكنهم أن ينجحوا في بلدانهم التي يمثلون فيها المرجعية الدينية الأولى لكي يقنعوا الأوروبيين بما يدعون إليه.