لم يعد الوقت يسعف تنظيم «داعش»، فصار يجمع ضرباته زوجاً زوجاً في المشرق والمغرب، ويحاول بناء جسر له في كل من الأردن وتونس معاً، ويجمع «إربد» مع.. «بن قردان»! العدوان الإرهابي على بلدة بن قردان التونسية في أوائل مارس 2016، وما جرى في الأردن قبل ذلك بيوم أو يومين، يبين لنا من جديد استماتة الإرهاب على التوسع، ومحاولة «داعش» بالذات بناء «إمبراطورية الجماجم» على خارطة العالم العربي برمته! في منزل أحد الشباب في بلدة «الرصيفة» الأردنية، كتب من عمّان «مؤيد أبو صبيح» ونقل عن أم مفجوعة، مأساة تتكرر مع الكثير من الآباء والأمهات! يقول في صحيفة «القبس» الكويتية: «في زيارة لمنزل أحد الشباب في «الرصيفة» الذي قضى في سوريا، تؤكد والدته أن ابنها كان شاباً من رواد المسجد، ثم بدأت تظهر عليه علامات التطرف من خلال الثوب القصير وإطلاق اللحية وعدم التحدث مع النساء والعزلة في المنزل. وتضيف: «في أحد الأيام ذهب أحمد إلى المسجد لصلاة الفجر، لكنه لم يعد. انتظرناه طويلاً ولم يعد، وبدأنا رحلة البحث عنه وطرقنا كل الأبواب، وبعد أكثر من أسبوع علمنا من مقربين منه في المسجد، أنه غادر إلى سوريا للجهاد». وتضيف أيضاً: بعد أيام، سمعنا من أناس أنه قتل في عملية في ريف دمشق، وصرخت بأعلى صوتي... الله ينتقم منهم أولاد الحرام اللي حرموني منه».. كانت الأردن من الدول العربية القليلة التي تميزت الحركة الإسلامية فيها بالعمل العلني المتواصل وبخاصة «الإخوان»، منذ عام 1946. ولكن حتى هذه الجماعة تعصف بها اليوم العواصف، وتتجاذبها أفكارها التقليدية المحافظة وآراء سيد قطب الجهادية التوسعية واجتهادات حزب «التحرير» التي لا هي للسماء ولا للأرض! مستقبل الاستقرار في الأردن، في اعتقاد الصحيفة، «أصبح مثار تساؤلات العديدين، بعد ما جرى مؤخراً في مدينة إربد شمال الأردن من مواجهة مسلحة هي الأعنف والأطول بين الأجهزة الأمنية الأردنية ومجموعة إرهابية مرتبطة بتنظيم «داعش»: هل لهذا التنظيم الدموي فرع في الأردن؟ ما طبيعة العلاقة بين «دواعش» الأردن وسوريا؟ ما قوة هذه الجماعة وما عمق «غاطسها» في المجتمع الأردني، وهو المجتمع الذي يزخر في اعتقاد البعض بحواضن المتشددين المنتمين للتيار السلفي «الجهادي»، وبلدات أكثر من مُرحِّبة بهم مثل «معان» و«الزرقاء» و«الرصيفة» و«السلط» و«الكرك». نحو 400 من أنصار التيار السلفي الجهادي في «معان»، يقاتلون في سوريا وحدها، قُتل منهم، تقول التقارير، أكثر من ثلاثين حتى الآن. وفي جولة الصحيفة في أرجاء المدينة، شوهدت يافطات خضراء اللون قديمة على الجدران الخارجية للمساجد كُتب عليها «عرس شهيد»، وتحمل صوراً لمقاتلين من أبناء «السلف الجهادي» قُتلوا في سوريا وآخرين في العراق. ويقول والد شاب عشريني قتل مؤخراً في سوريا لـ «القبس»: لقد غاب ابني عن المنزل لمدة أربعة أيام متواصلة. وبعد تحر وسؤال عنه بين أقرانه من الشباب أنه غادر لسوريا لقتال نظام الأسد إلى جانب ما يعرف بـ «جبهة النصرة». ويتابع الوالد، بعيون ملؤها الدمع: بعد أقل من أسبوع اتصل بنا شخص، ويدعى أبو البراء، ليخبرنا بأن ابننا «قضى في عملية للجيش السوري النظامي. وبعد ذلك فتح أنصار التيار السلفي الجهادي بالمدينة بيت عزاء كتب على بابه «عرس شهيد». لكن الوالد المكلوم يضيف أنه لا علم له بالجهة التي قامت بإيصال ابنه إلى سوريا. ويتابع: «ابني من أنصار التيار السلفي الجهادي». كما في بعض الدول الخليجية وأماكن أخرى، كان رواد المساجد أول المستهدفين في التجنيد للتنظيمات الإرهابية! يقول بلال حسن، وهو أحد مرتادي «المسجد الكبير» في المدينة، لـ «القبس»: في كل يوم كنا نفتقد أحد المصلين، خصوصاً من المحافظين على صلاة الفجر.. وبعد يومين أو ثلاثة كنا نسأله عنه، فتأتي الإجابة أنه غادر لـ «الجهاد». مدينة «إربد»، يقول الكاتب «حازم الأمين» في صحيفة الحياة، (مدينة الجيل الثالث من الأردنيين، أي مدينة المرحلة السورية في الجهاد، بعدما كانت «السلط» مدينة الجيل الأفغاني الأول، و«الزرقاء» مدينة الجيل العراقي الثاني، وهي ذات غالبية فلسطينية، في حين أن «إربد» مختلطة السكان والعشائر والعائلات الشامية). (الحياة، 06 - 03 - 2016). في تونس شنت عناصر يعتقد أنها تنتمي لـ «داعش ليبيا» هجوماً واسعاً على مدينة حدودية سقط فيه 28 من المهاجمين و13 من قوات الأمن التونسية، ولقي 7 مدنيين حتفهم قبل أن تعلن وزارة الداخلية أن الوضع «أصبح تحت السيطرة في مدينة بن قردان». كانت عناصر «داعش» التونسية القادمة من ليبيا قد استعرضت جوانب من دمويتها وسط المواطنين داخل المدينة، كما كانوا قد استولوا على سيارة إسعاف من مستشفى «بن قردان» واستخدموها في هجومهم على الثكنة العسكرية، وقال شاهد عيان إن «العديد من الجثث كانت ملقاة في شوارع المدينة». تونس الخارجة للتو من سنوات الثورة والصراع والتغيير، لم تسترد بعد قدراتها القتالية، وإن كانت قد أبلت بلاء حسناً في وجه هذا الهجوم. إن معاناة التونسيين من ليبيا الممزقة لا تقتصر على العناصر الإرهابية، بل يقول الخبراء، إن الأزمة التونسية أعمق! «إن نحو مائة ألف تونسي يعملون هناك، ومعظمهم يشتغلون في التجارة وشركات المقاولات وقطاعي الصحة والإعلام، ومنذ سنوات تمثل السوق الليبية الحل الأمثل للباحثين عن العمل في تونس، وفي حال مغادرتهم لمواطن عملهم وطردهم من قبل الليبيين الذين نسبوا لكل التونسيين تهمة الإرهاب، فإن عملية استقطابهم بالمال ومختلف الإغراءات من التنظيمات الإرهابية يصبح أمراً يسيراً. إن القوى العاملة في البلدان العربية تتعرض للعزل والطرد والذبح في بعض هذه الدول بسبب الصراعات السياسية. فإلى جانب الإرهاب السياسي والطائفي والديني وغيره، تعاني أفقر شرائح المجتمع وبعض المهاجرين والمستثمرين في العالم العربي «الإرهاب التوظيفي» أو الإرهاب الاقتصادي. ما العمل؟ خليل علي حيدر* *كاتب ومفكر- الكويت