تشهد العلاقات القديمة بين الهند والمملكة العربية السعودية تقارباً متنامياً في كل المجالات، وذلك منذ الزيارة التاريخية للعاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قبل عشر سنوات. وقد بشّر «إعلان دلهي» الذي تم توقيعه أثناء الزيارة بعهد جديد بدأت فيه الدولتان بوضع رؤية استراتيجية واسعة النطاق، وقد ازدهرت حركة التجارة بين الدولتين، وكذلك الاستثمارات الهندية في السعودية، حيث يعمل نحو ثلاثة ملايين هندي، ما يجعلهم أكبر جالية في المملكة، كما أن هناك تبادلاً ثقافياً مهماً، يرجع إلى حقيقة مفادها أن الهند لديها ثاني أكبر عدد من السكان المسلمين في العالم، وكثيرون منهم مهتمون بالسعودية باعتبارها راعية الحرمين الشريفين. وبحلول عام 2010، عندما زار رئيس وزراء الهند السابق «مانموهان سنج» المملكة، كانت العلاقات الثنائية تشهد انتعاشاً دون عوائق. وقد ساهم «إعلان الرياض» في تعزيز هذه الروابط، حيث شمل التعاون في مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب، ما ساهم في تحويل العلاقة إلى شراكة استراتيجية عميقة. ومن المتوقع أن تشهد هذه الشراكة دفعة جديدة عندما يقوم رئيس الوزراء ناريندرا مودي بزيارة السعودية مطلع الشهر القادم. وفي إطار الإعداد لهذه الزيارة التي من المتوقع أن تفتح آفاقاً جديدة، قام وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بزيارة نيودلهي. وقد ألمح «الجبير»، الذي التقى رئيس الوزراء «مودي» إلى جانب عدد آخر من كبار القادة في الهند، بوضوح إلى أن المملكة تريد أن ترتقي بالعلاقات لما وراء الشراكة الاستراتيجية الحالية، وأن زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى المملكة، والتي ستستمر ليومين ستمهد الطريق لمزيد من جهود التعاون، وستكون «نقطة تحول» في الروابط بين الدولتين. ومن جانبه، أعرب رئيس وزراء الهند عن ثقته في أن زيارته إلى المملكة ستعطي الفرصة لرفع مستوى الشراكة الاستراتيجية الثنائية إلى مستوى أعلى. ومما يدل على أهمية زيارة «مودي» أن رئيس الوزراء الهندي سيزور المملكة العربية السعودية في طريق عودته من قمة الأمن النووي المقرر عقدها في الولايات المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أن علاقات نيودلهي بالرياض كانت قوية لسنوات بغض النظر عن الحزب الحاكم، مما يدل على دعم الحزبين لتحسين العلاقات مع أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية. وفي حين أن رئيس الوزراء السابق «مانموهان سنج» قد زار المملكة عام 2010، إلا أن الزيارات التي كان يقوم بها رئيس وزراء الهند إلى هذه المنطقة كانت نادرة. بيد أن «مودي» الذي تولى السلطة عام 2014، سعى إلى تصحيح هذا الأمر بالسفر إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس وزراء هندي خلال الثلاثة والأربعين سنة الماضية. وقد أشارت وزيرة الخارجية الهندية «سوشما سواراج» مؤخراً إلى أن حكومة «مودي» بدأت التركيز على منطقة غرب آسيا، وقالت إن الهند ستستقبل أيضاً مسؤولين رفيعي المستوى من منطقة غرب آسيا خلال الأشهر القادمة. وبالنسبة للهند، تعد السعودية جنباً إلى جنب مع الإمارات أهم دولتين في منطقة الخليج. وهناك ما يقرب من ستة ملايين هندي، ما بين عمال بناء وأطباء ومهندسين ورجال أعمال في هاتين الدولتين الخليجيتين. ومن ناحية أخرى، تأتي زيارة وزير الخارجية السعودي في وقت تشهد فيه منطقة الخليج العربي تطورات إقليمية مهمة، علاوة على مخاوف هندية من أن تأثر بعض الشباب بدعاية تنظيم «داعش» قد يكون له تداعيات داخل الحدود الهندية أيضاً. وتراقب الهند عن كثب التدهور في العلاقات بين السعودية وإيران، فقد قطعت السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بعد الاعتداء على سفارتها في طهران، كما قطعت عدة بلدان خليجية أخرى علاقاتها مع إيران. وفي ظل الوضع الجيوسياسي المتغير، وتنامي مكانة الدولتين في مناطقهما، من الواضح أن كليهما يتحرك لما وراء العلاقات التجارية. والاعتراف بدور ومسؤولية كل منهما، وكذلك تطابق وجهات النظر بشأن القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية يظهر ثقة كل طرف منهما في الآخر، وتعد مكافحة الإرهاب من المجالات التي أثبتت فيها المملكة العربية السعودية أهميتها القصوى بالنسبة للهند. فالسعوديون، الذين يشعرون أيضاً بالقلق بشأن ارتفاع حدة التطرف، قاموا في الماضي بترحيل مجرمين مطلوبين في الهجوم الإرهابي الذي وقع في مومباي. وبصرف النظر عن مكافحة الإرهاب والأمن، فإن التعاون بين الدولتين في مجالات أخرى عديدة من بينها المجالات الثقافية والتعليمية قد شهد نمواً سريعاً منذ عام 2006، ومن المتوقع أن يشهد مزيداً من النمو، بيد أن هناك قطاعات تمثل مجالاً كبيراً للتعاون بين الدولتين ومن بينها الفضاء. ليس هناك من شك أنه بالنسبة للهند، تمثل العلاقات مع السعودية أهمية قصوى ومن شأن زيارة «مودي» مواصلة تعزيز الشراكة بين الدولتين. مدير مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي