قبل سنوات كنت في زيارة لمدينة أبوظبي، عاصمة دولة الإمارات العربية الجميلة، وكانت برفقتي أسرتي، واستطعت أن أدخل فندق قصر الإمارات في يوم لم يكن يسمح فيه لغير النزلاء بدخول الفندق، وذلك بعد أن أقنعت المسؤول هناك بأنها الفرصة الوحيدة لي من أجل زيارة هذا المعلم السياحي فائق الأهمية. وخلال تجوالي في الفندق الفسيح والضخم، لمحت الزميلين سامي النصف ويوسف الجاسم ضمن وفد إعلامي كويتي، فتوجهت إليهما، وكانت المفاجأة أن مضيفهم كان ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، فاستغربت كيف يمكن الوصول لمسؤول بهذا الحجم من دون إجراءات حماية أو تعقيدات بروتوكولية. وبالتأكيد ربما تكون هناك بعض الإجراءات، لكن الضيوف لا يلاحظونها ولا يشعرون بها، فالشيخ محمد بن زايد يحرص على ألا تفسد الإجراءات الرسمية شعور ضيوفه بأنهم أمام شخص «منهم وفيهم». وكنت قد قرأت قبل ذلك في الصحافة عن تواضع الشيخ محمد بن زايد، وقد ظهرت له لقطات عدة يجلس فيها مع تلاميذ وكبار سن على الأرض، وقد استحسنت ذلك بالفعل من شخصية في منزلته، لكني افترضت بأن الأمر قد لا يخلو من ترتيبات تتطلبها أهمية الشخصية المعنية ومحبة الناس لها، وهو أمر مشروع ومتوقع في مثل هذه المواقف. بيد أنه في لقائي مع الشيخ محمد خلال زيارتي المذكورة لأبوظبي، لاحظت أن سموه يستقبل زواره باشاً في وجوههم، مرحباً بهم على نحو كبير وغير عادي، وكان يسألني عن زيارتي لدولة الإمارات، وما إذا كنت قد تعرضت لأي تعب أو إشكال. وحين شاكسني الزميل النصف بالقول إن «داهم» يعتبر أكبر مدون «وراعي مشاكل»، رد الشيخ محمد بالقول: بالعكس، نحن نحتاج الرأي الذي يَصب في مصلحة بلداننا في الخليج. واستغربت عندما بادر الزميل سامي النصف بأخذ صورة تذكارية لي وابني محمد مع سمو الشيخ محمد بن زايد، أن سموه أوقف التصوير وأخذ يرتب هيئة ابني محمد، ويقوم بتعديل شعره وقميصه لتظهر الصورة أجمل ما تكون، فكان ذلك التواضع الذي أذهلني وعادة ما يذهل الجميع حين يتعرفون إلى أخلاق أبناء الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله تعالى. هنا أدركت أن رجال العلاقات العامة لا حاجة لدورهم في أبوظبي في ظل هذه الشخصية الرائعة، والتي أصبحت مضرب المثل في القيم الرفيعة والسامية. هذه قصة اعتبرتها ذات طابع شخصي، ولم أفكر في نشرها إلا حين انتشرت لقطة الشيخ محمد بن زايد وهو يقدم، وبتواضع جم، الماء للملك سلمان بن عبدالعزيز، وربما نشرتها لأبيّن أن هذا التواضع وتلك الأخلاق الحميدة إنما تمثل نهجاً لا ينفصل عن شخصية الشيخ محمد بن زايد في كل مكان وكل موقف. ولعل الدرس المستفاد من ذلك هو أن القائد العظيم يكسب قلوب الناس بعفوية ومن دون تصنّع، ولهذا يبقى «بو خالد» مثالا للقيادة المحبوبة ولشيم التواضع والطيبة. داهم القحطاني كاتب كويتي