مع دخول القضية السورية عامها السادس بدا المجتمع الدولي أكثر جدية في البحث عن حل سياسي، وقد عكرت الأجواء تصريحات وزير الخارجية السوري الذي أعلن رفض النظام لقرار مجلس الأمن حين استبعد الحديث عن تشكيل هيئة حكم انتقالية، وهي جوهر هذا القرار والوسيلة الوحيدة لتحقيق حل سياسي. كما أنه اعتبر الحديث عن مستقبل الأسد خطاً أحمر، وهو يدرك أن كلمة انتقال تعني تحولاً من حكم شمولي أمني استبدادي إلى حكم تعددي مدني ديمقراطي، وليس مجرد انتقال من حكومة إلى حكومة أخرى بقيادة الأسد، فهذه لا تحتاج إلى مؤتمر دولي! ويعلم كذلك أن من المحال أن يتحقق أي انتقال أو تحول إذا بقي الأسد رئيساً، ومن المحال أيضاً أن يتحقق الأمن والاستقرار في سوريا بقيادة رجل قتل نصف مليون سوري، واعتقل في سجونه مئات الآلاف، وشرد أكثر من اثني عشر مليوناً، وقصفت طائراته أكبر المدن السورية وحولت حلب وحمص وريف دمشق ودرعا وأرياف إدلب وسواها إلى ركام. ومحت من الوجود عشرات القرى وهدمت ملايين البيوت، وباتت الجرائم التي ترتكبها قواته كل يوم على مدى خمس سنوات حديث العالم كله، فضلاً عن كونه استقدم احتلالين إلى سوريا هما الاحتلال الإيراني والاحتلال الروسي، بالإضافة إلى استدعاء مليشيات طائفية إرهابية مثل «حزب الله» ومثيلاته من العراق وقد دخلت تحمل رايات دينية ثأرية تاريخياً، وتفجر أحقاداً طائفية، وكان الأسد قد أطلق سراح متطرفين من السُّنة وغض الطرف عن تشكيلهم لمليشيات دينية، لتشويه حقيقة الثورة السورية عبر إغراقها بالإرهاب. وقد كان للمملكة العربية السعودية ولدولة الإمارات العربية المتحدة فضل كبير في دفع الجهود الدولية نحو الحل السياسي عبر تشكيل مؤتمر الرياض الذي انبثق عنه وفد سياسي بدأ التفاوض وكانت المفاوضات قد علقت في الجولة الأولى بسبب رفض النظام تنفيذ الشق الإنساني من قرار مجلس الأمن 2254 ولكن إصرار أصدقاء سوريا الداعمين أسهَم في تحسن الوضع قليلاً عبر إدخال مساعدات إنسانية وعبر فرض هدنة اتفق عليها الراعيان الأساسيان للمفاوضات (روسيا والولايات المتحدة) والتي أراحت الشعب قليلاً على رغم الاختراقات التي تحدث كل يوم. وعشية بدء الجولة الثانية من المفاوضات منتصف مارس الجاري أعلن الرئيس بوتين بشكل فاجأ العالم أنه قرر سحب قوات رئيسية من جيشه الذي اقتحم سوريا منذ نهاية شهر سبتمبر الماضي. كان طبيعياً أن نرحب في المعارضة السورية بهذا القرار، ونحن ننتظر يوماً قريباً يخرج فيه كل المقاتلين الأجانب من بلدنا، ونحن في ذات الوقت نترقب أن تعيد روسيا النظر في موقفها من الشعب السوري، فقد دخلت قواتها إلى سوريا بذريعة مكافحة الإرهاب، لكن العالم كله رأى أنها حاربت المعارضة المعتدلة وقصفت طائراتها بيوت وقرى المدنيين وكان مفجعاً أنها دمرت عدداً كبيراً من المشافي والمدارس، وبدا واضحاً أن روسيا تدافع عن النظام وتريد أن تمكنه من السيطرة على المناطق التي حررها الجيش الحر، ومع ذلك لم تضعف إرادة الشعب السوري، ولم ترعبه القنابل المروعة التي دمرت الكثير من البنى التحتية وقتلت أكثر من ألف وخمسمائة مواطن سوري مدني، وربما أدركت القيادة الروسية أن بقاء النظام يستدعي بقاء طائرات «السوخوي» محلقة في سماء سوريا ليل نهار تقصف الشعب والمعارضة، فإن غابت لحظة سينهار النظام. ولقد جاء ترحيبنا بالقرار الروسي حذراً لأننا لا نعرف بعد حجم ومدى هذا الانسحاب، ولا نزال نسمع تصريحات روسية تنحاز إلى النظام، مع أننا سمعنا تصريحات تحمل تغييراً طفيفاً في الموقف، ربما كان آخرها ثناء لافروف على دور السعودية ودول الخليج في السعي إلى حل سياسي للقضية السورية. إننا نأمل أن تتخذ روسيا موقفاً جاداً يساند الشعب الذي يطلب حرية وكرامة ودولة مدنية ديمقراطية، بدل أن تساند ديكتاتوراً دمّر بلاده، وهي تعلم أنه سيرحل ومحال أن ينتصر على الشعب حتى لو استقدم جيوشاً أخرى للدفاع عن استبداده. إننا ننتظر من روسيا أن تسحب كل قواتها من سوريا، ولن تكون بحاجة إلى قوة عسكرية لحفظ مصالحها حين تضمنها الشعوب عبر اتفاقات دولية تراعي المصالح المشتركة، ونرجو قراراً منصفاً من بوتين يؤكد فيه أنه يدعم قرار مجلس الأمن بتشكيل هيئة حكم انتقالي. والمفارقة أن روسيا مشاركة في صياغة هذا القرار، والسوريون جميعاً ينتظرون يوم خلاص قريباً، ولن يأتي هذا الخلاص إلا حين يرحل من دمروا سوريا وقتلوا وشردوا الملايين من شعبها.