في كتاب «وفُتحت أبواب الجحيم»، الذي ينتمي لجنس السيرة الذاتية، يتقاسم الصحافي الأميركي ريتشارد إنجل مع قرائه تجربته الشخصية كمراسل صحفي قام بتغطية العديد من الأحداث السياسية والتاريخية في الشرق ومناطق ملتهبة أخرى من العالم، منذ بداية مشواره المهني حين كان شاباً يتلمس طريقه في عالم صاحبة الجلالة، إلى أن صار صحافياً مخضرماً ذائع الصيت تتهافت الشبكات التلفزيونية على استضافته والاستماع لتحليلاته. كان إنجل منذ نعومة أظفاره يحلم بأن يصبح صحافياً، وكان يتمنى أن يشتغل يوما ما في مكاتب صحيفة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون» المطلة على شارع الشان زيليزي في باريس، «يدبّج التقارير والمقالات حول المؤامرات والسياسة والمخططات السرية والنساء وكل المواضيع الأخرى..». وعاش ليرى حلمه يتحقق، حيث أصبح صحافياً بالفعل، لكن القدر شاء أن يمضي الجزء الأعظم من مسيرته المهنية في مناطق الحروب والبؤر الساخنة في الشرق الأوسط، وليس في قاعات التحرير المكيفة. كان العراق البلد الذي تميز فيه صحافياً، ففي 2003 كان إنجل يعمل صحافياً مستقلاً ولم يستطع تأمين تأشيرة لدخول العراق، لكنه كان مصمماً وعاقداً العزم على تغطية الحرب، فتمكن أخيراً من دخول البلاد عبر تطوعه ضمن «درع بشرية» مع منظمة سلام في أوائل 2003، ثم عقد صفقة مع قناة «إن بي سي نيوز» الأميركية. وكان آخر صحافي تلفزيوني أميركي يغادر بغداد قبيل الغزو. وفي 2005، اهتزت أركان الفندق الذي كان يقيم فيه ببغداد جراء انفجار شاحنة ملغومة على الجانب الآخر من الشارع. وبينما اشتعلت المنطقة بالحروب والثورات، عاش لحظات كان فيها الموت أقرب إليه من حبل الوريد، على غرار تجربة الاختطاف التي عاشها في سوريا عام 2012، والتي يقول إنها تركت آثاراً على نفسيته لم تنمح إلى اليوم. هذه «المغامرات» الخطرة والمريرة يستعملها إنجل كمدخل لبيان كيف تغير الشرق الأوسط منذ أن أتى إلى المنطقة كمراسل شاب عام 1996. والنتيجة كانت كتاباً يقدم للقارئ صورة مقتضبة عن الأزمات والمصائب التي ابتليت بها المنطقة خلال العقدين الماضيين، لاسيما عواقب غزو العراق، والمآل المحزن الذي آلت إليه «الثورات» في مصر وليبيا وسوريا. إنجل يضع الأحداث التي قام بتغطيتها في سياقها التاريخي الأوسع للشرق الأوسط، مثل تداعيات الحدود الاعتباطية التي رسمتها القوى الكولونيالية الأوروبية غداة الحرب العالمية الأولى على الدول التي ظهرت بعد اندثار الإمبراطورية العثمانية. كما يبين كيف أن قرار بوش الابن غزو العراق فتح برميل بارود من المآسي والفوضى ما زالت تعصف بالمنطقة. فإسقاط صدام حسين، إضافة إلى الاحتلال «سيء التخطيط» وسلسلة من القرارات الخاطئة والمكلفة، على غرار قرار حل الجيش العراقي الذي غذى حركة التمرد.. كلها عوامل أفضت مجتمعة إلى إيقاظ الفتن وإحياء الضغائن القديمة بين السنة والشيعة، إضافة إلى تناسل التنظيمات المتطرفة التي يمثل «داعش» مثالها الأكثر وحشية ودموية، وموجة من أعمال العنف التي امتدت عبر المنطقة. وبسبب غزوها العراق واحتلاله غير المسؤول له، يكتب إنجل، «كسرت (إدارة بوش) الوضع القائم في المنطقة منذ 1967». ثم جاء أوباما الذي «انتُخب من قبل جمهور يعارض مزيداً من المغامرات الأميركية في الخارج»، و«كسر الوضع القائم أكثر من خلال أعمال تفتقر للانسجام»، حيث شجع الانتفاضات باسم الديمقراطية في مصر، ودعم الثوار في ليبيا، وتبنى موقفاً يطبعه التردد والغموض في سوريا. محمد وقيف الكتاب: وفُتحت أبواب الجحيم المؤلف: ريتشارد إنجل الناشر: سايمون آند شوستر تاريخ النشر: 2016