من المجالات أو التخصصات الطبية الحديثة تخصص الطب البيئي (Environmental Medicine)، والذي يجمع في طياته معارف الطب الحديث بشكله التقليدي، مع العلوم البيئية، وعلم الكيمياء، وبعض العلوم الأخرى مثل الباثولوجي أو علم الأمراض، وهو ما يجعل الطب البيئي، ممثلاً عن العلوم الطبية ضمن مفهوم الصحة البيئية، الأوسع مدى ونطاقاً، ويركز الطب البيئي في شكله الحالي، على دراسة التفاعل بين البيئة وصحة الإنسان، وبالتحديد دور البيئة في خفض أو زيادة احتمالات الإصابة بالأمراض. ويلقى هذا التخصص الطبي، ردود فعل متباينة من الأطباء والسياسيين، نتيجة تركيزه وتأكيده، على أن صحة الإنسان تتأثر بشكل عميق بالعوامل البيئية، وخصوصاً السموم والتلوث، وبقدر أكبر مما كان معتقداً في السابق. هذه الفكرة الأساسية للطب البيئي، أكدها وأظهر حجم تبعاتها، تقرير صدر منتصف الأسبوع الماضي، عن منظمة الصحة العالمية، قدر القائمون عليه أن 12.6 مليون شخص، لقوا حتفهم عام 2012 فقط، نتيجة العمل أو المعيشة في بيئة غير صحية، وهو ما يعادل واحداً من كل أربعة من الوفيات بين أفراد الجنس البشري ذلك العام. ومن المؤسف أن جزءاً لا يستهان به من هذه الوفيات، كان بين الفئات العمرية الأكثر ضعفاً، والأسرع تأثراً، أو الأطفال وكبار السن، حيث يقدر أن من بين الاثني عشر مليوناً الذين لقوا حتفهم بسبب العوامل البيئية، 1.7 مليون طفل تحت سن الخامسة، و4.9 مليون ما بين سن الخمسين والخامسة والسبعين. فمن المعروف والثابت، ارتباط عوامل الخطر البيئية، مثل تلوث الهواء، والماء، والتربة، والتلوث الكيميائي، والتغير المناخي، بأكثر من 100 مرض وعلة. ومن بين هذه الأمراض والعلل، حظيت أمراض القلب والشرايين بنصيب الأسد، حيث كان ترتيب أسباب تلك الوفيات، كالتالي: 1- السكتة الدماغية، 2.5 مليون وفاة. 2- الذبحة الصدرية وقصور الشرايين التاجية المغذية لعضلة القلب، 2.3 مليون وفاة. 3- الإصابات الخطيرة غير المتعمدة، مثل حوادث السيارات، 1.7 مليون وفاة. 4- الأمراض السرطانية، 1.7 مليون وفاة. 5- الأمراض التنفسية المزمنة، 1.4 مليون وفاة. 6- أمراض الإسهال، 846 ألف وفاة. 7- العدوى التنفسية، 567 ألف وفاة. 8- أمراض تصيب الأطفال حديثي الولادة، 270 ألف وفاة. 9- الملاريا، 260 ألف وفاة. 10- الإصابات المتعمدة، مثل الانتحار، 246 ألف وفاة. والغريب في القائمة السابقة، أن عدد الوفيات الناتجة عن الإصابات غير المتعمدة، مثل حوادث السيارات، يعادل أو يزيد بقليل، عن مجمل الوفيات الناتجة عن الأمراض السرطانية بجميع أنواعها. أما على صعيد الفئات العمرية، فنجد أن أمراض الإسهال، والعدوى التنفسية، هما المسؤولان عن العدد الأكبر من الوفيات بين من هم دون سن الخامسة، أما الفئات العمرية الأكبر سناً، فيسقط معظم ضحاياها نتيجة الأمراض غير المعدية. حيث يظهر تقرير منظمة الصحة العالمية، والذي حمل عنوان «الوقاية من الأمراض من خلال بيئة صحية: تقييم عالمي للعبء المرضي الناتج عن المخاطر البيئية»، أنه منذ نشر النسخة الأولى منه قبل عقد من الزمان، أصبحت الوفيات الناتجة عن الأمراض غير المعدية أو المزمنة، والناتجة في الغالب عن تلوث الهواء، بما في ذلك التعرض لدخان منتجات التبغ، مسؤولة وحدها عن 8.2 مليون وفاة سنوياً (حسب إحصائيات عام 2012)، من الوفيات الناتجة عن أسباب بيئية، وهو ما يجعل الأمراض غير المعدية، مثل السكتة الدماغية، وأمراض القلب والشرايين، والأمراض السرطانية، والأمراض التنفسية المزمنة، مسؤولة مجتمعة عن ثلثي تلك الوفيات تقريباً. وأمام هذا الواقع، يطالب تقرير منظمة الصحة العالمية، بضرورة تفعيل الإجراءات والتدابير، المعروف عنها كفاءتها وفعاليتها في خفض احتمالات الإصابة بالأمراض سابقة الذكر، ضمن استراتيجية موسعة تهدف لتحسين البيئة التي يحيا ويعمل بها الناس، مؤكداً على أن العديد من هذه التدابير والإجراءات، لا تحتاج إلى موارد مالية ضخمة، أو لتقنيات معقدة، حتى يتم تفعيلها، وجني ثمارها. مثل استخدام أنواع وقود حديثة لأغراض الطهي المنزلي والتدفئة والإضاءة، وهو ما من شأنه أن يخفض بقدر ملحوظ من معدلات العدوى التنفسية الحادة، ومن الأمراض التنفسية المزمنة، ومن أمراض القلب والشرايين، كما أن توفير مياه الشرب النظيفة، ونظم الصرف الصحي الحديثة، وتوعية أفراد المجتمع بأهمية غسل اليدين باستمرار، من شأنه أن يخفض بقدر ملحوظ من أمراض الإسهال، والتي تقتل وحدها قرابة المليون طفل سنوياً.