كتب طلال سلمان مقالة في «السفير» اللبنانية ربط فيها ما سماه المرض العربي بدور الذهب الأسود الذي يزعم أنه قد وظف في زراعة الفساد والدمار وشراء الذمم وسبب حالة السقوط العربية! وهذا الوصف في زعمه ينسحب على السعودية ودول الخليج النفطية بالأخص، غافلاً أو متغافلاً عن حقيقة كون الذهب الأسود إنما تتاجر به الجمهوريات الثورية التي وعدتنا عبر التاريخ بحلم النهضة العربي، وسبَحنا معها في السراب ووجدنا أنفسنا نضيع في دهاليز الوهم في النهاية. ونستدعي في الذاكرة الآن، مرة أخرى ومرات، ذلك السؤال الذي ظل يتردد بقوة خلال السنوات الأخيرة: «لماذا وقع الربيع العربي في الجمهوريات وليس في الملكيات؟»، فالسبب هو حجم الفشل التنموي الذريع في الأولى، وحجم النجاح التنموي الكبير أو المقبول، على الأقل، في الثانية. ومع أن النظام الوراثي سمة ملكية وهذا مبدأ سياسي تاريخي معروف، نرى الجمهوريات العربية تنافس الملكيات في التوريث مع أن هذا مناقض لأسس النظام السياسي الجمهوري كما هو معروف أيضاً تاريخياً. فمآزق العرب بدأت منذ أن سرقتنا الثورات العربية وأحزابها التي باعتنا حلم النهضة العربية وضيعت مواردها في مغامرات جامحة ومؤامرات على الأمة نفسها. ولكي نضع الأمور في نصابها، فنحن نقول إنه ليس بالضرورة أن نتفق مع كل تفاصيل السياسات في دولنا الخليجية، إلا أن القاعدة العامة هي أن النجاح التنموي والاستقرار السياسي هما السمة الغالبة فيها، ولذا فلا مجال لغض الطرف عن التحامل الذي يجب أن يواجه بقوة من طرفنا، لكون كلمات التزييف والكذب التي سطرها طلال سلمان ورفاقه هي من قادت إلى المأساة العربية التي نعيشها. فبعض النخب العربية ساهمت في تزييف واقعنا وسعت أيضاً لتزييف وعي شعوبنا وسرقت منا حلم العروبة. أما المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج النفطية، فهي لم تبخل يوماً في مساهماتها مع أشقائها، ولم تمارس شراء الذمم كما جاء على لسان ذلك الكاتب المتحامل، كما أن جيل الشباب من الحكام تمرسوا أيضاً في الالتزام تجاه الهم العربي وليس في القتل والدمار كما زعم الكاتب، الذي لم يمتلك شجاعة الاعتراف بأن من يكتب باسمهم هم من أولغ في الدم السوري والعربي بشكل عام. أما نحن في الخليج، فلدينا اليوم شباب من الحكام هم من يرسمون المستقبل العربي بجرأة لم يعتد عليها الآخرون. فـ«الرفيق» طلال سلمان ومن صاحبه من «الرفاق» يبثون سمومهم ضد السعودية وضد دعمها للشرعية في اليمن، ويقفون بشراسة ساعين للحفاظ على النظام في سوريا التي دخل إلى ساحتها كل ما ينافي شعار «حزب البعث» الذي رفع شعار «أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة»، فكان الأجدر بهم تحليل الانحراف الذي عانق إيران و«حزب الله» ورفع شعار «ولاية الفقيه» ليقلب الموازين العربية! نحن مقتنعون بوجود حالة من التراجع والانهيار العربي العام سواء بمحدودية تأثير الجامعة العربية، أو بأحزاب الثورات التي جرتنا إلى المشهد الدامي المعيش، ولكننا نرفض أيضاً التشخيص الذي يسوق من طرف أقلام بعض مرتزقة الإعلام، بأننا أهل الذهب الأسود الخليجي سبب حالة الشلل العربي! كما أننا مقتنعون بأن زمن نخب الفساد العربي قد ولّى ولم تعد كلماته ذات صدى. فدماء الأطفال في سوريا، وملايين المشردين يسأل عنها «حزب الله» الذي رفع شعار «المقاومة» وسار في درب التضليل والاحتراب الطائفي، الذي وضع أسسه طلال ورفاقه. ونرى من الأجدر، أن توجه السهام إلى الدار اللبنانية التي يحكمها «حزب الله» بدلاً من سهام الكراهية الأخرى التي نفهم أبعادها وأسبابها حين توجه ضد النموذج السعودي والخليجي. ونأمل أخيراً أن تدرك دول الخليج العربية أهمية تغيير خطابها الإعلامي وتقلع به بشجاعة لكشف كل الحقائق أمام الجميع، وأن تدرك أننا مقبلون على تحديات صعبة ومحاولات لاستهداف وحدة الموقف بل الجسم العربي ككل.