الموصل ثاني أكبر المدن العراقية والظفر بها مجدداً يضع حداً لطموح «داعش» في العراق، ويُقوض أسطورته بصورة كبيرة حيث أعلن المبعوث الأميركي الخاص إلى العراق «بريت ماكورك»، السبت الماضي الموافق 5 مارس انطلاق معركة تحرير مدينة الموصل من سيطرة «داعش»، وذلك من خلال قطع الطريق بين «الرقة» و«الموصل»، وسيشارك في العملية 12 لواءً عراقياً بجانب اثنين من ألوية البيشمركة الكردية لمواجهة قرابة 10 آلاف من مقاتلي «داعش» الذين بدؤوا في تحريك عوائلهم خارج المدينة هاجم القوات العراقية والموصل بها نسبة كبيرة من العرب السُّنة، قد تصل إلى 65%، والكثير منهم يملك سلاحاً في بيته، ولم يتخذ قراره بعد مع من يقف، وخاصة أنهم يعتقدون أنهم تعرضوا للخيانة من الحكومة المركزية في بغداد وهم لا يثقون فيها. تعلمت «داعش» من تجربة «طالبان» في أفغانستان الكثير من حيث الدروس المستفادة من تلك التجربة على الرغم من إيمان قيادات داعش بأن طالبان كان تنظيماً خارجاً عن التاريخ ولا يملك المهارات والإمكانيات المالية والتقنية واللوجستية والحضور الذي يملكه تنظيم داعش ومهارته في التخطيط وحرب الإشاعات واستقطاب أشخاص مؤثرين في الإعلام التقليدي وغير التقليدي للترويج للأجندات والمفاهيم «الداعشية» في صراع الحضارات وحتمية المواجهة وإجبار قوات الائتلاف على محاربة التنظيم في معركة حرب مدن، ويعتقد الجيش العراقي أنه من خلال الدعم الجوي والاستخباراتي اللازم من الحلفاء، ستتم استعادة الموصل والرقة، والمدن الرئيسية الخاضعة لسيطرتها في العراق تباعاً كما صرح رئيس الوزراء حيدر العبادي في وقت سابق أنه قبل نهاية 2016 سيكون هناك نصر نهائي على «داعش» في العراق. وتتعرض «داعش» لحملات جوية عديدة وضغط من القوات البرية تمارسه أطراف مختلفة، لكنها ما زالت مسيطرة على مساحات واسعة من الأراضي، والتي فقدت منها مؤخراً الثلث وخسرت عشرات الآلاف من المقاتلين، فكانت ردود فعل «داعش» عشوائية بين قتل وسبي وتجنيد، وبالمقابل تصبح أولى أولويات «داعش» في أي مدينة تسيطر عليها هي استعادة الأمن والخدمات الأساسية (في المقام الأول المياه والكهرباء) في أسرع وقت ممكن، وفي بعض المناطق استولت حتى على مصانع الخبز لتوفير الغذاء المجاني أو المدعوم، وإنشاء محاكم تحاول في البداية بناء الثقة مع السكان من خلال تضييق الخناق على اللصوص ومرتكبي الجرائم والقتلة وتجار المخدرات، والاغتصاب، وتدريجياً تنظيم الآداب العامة والممارسات الدينية عن طريق نشر الدعاية والدعاة لتوعية المواطنين حول متطلبات الإسلام وتشجيع المدنيين بأدب للتوقف عن التدخين في وقت لاحق يصبح قسرياً وعنيفاً مع الأخذ بالعقوبات الجسدية لأي شخص. إذاً هي عملية تجنيد جماعي وبعث رسالة مزدوجة للسكان، وهي ظاهرة معروفة في علم النفس عندما يقع السجان أحياناً في فخ التعاطف مع المسجون والتعود عليه كصديق وليس مداناً في جريمة كبرى. ويوضح أحد سكان الموصل، في أحد الأفلام الوثائقية عن «داعش» أنه في المراحل المبكرة من حكم تنظيم «داعش»، كانت الحياة تبدو طبيعية في الموصل، فالبشر لديهم قدرة رائعة على التكيف مع أنواع مختلفة من الصدمات النفسية، بما في ذلك الكوارث الطبيعية، والإعاقات، وارتفاع معدلات الجريمة والعنف ومن خلال عملية التطبيع المبرمجة، يصبح الأمر مفروغاً منه، وكأنه أمر طبيعي. ومع مرور الوقت، يجعل ذلك التكيف الناس أقل قلقاً واكتئاباً عند التعرض لمستويات عالية من العنف، وعملية التطبيع تلك هي آلية المواجهة التي تجعل الحياة أكثر احتمالاً، على الأقل مؤقتاً للمدنيين الذين يعيشون في مناطق الصراع، وقد أثبتت الأبحاث أن الأطفال الذين يتعرضون لمستويات عالية من العنف يصبحون أكثر استعداداً لاستخدام العنف (عملية «التكيف المرضي») وجيش من الأطفال لربما هو المفاجأة التي تعدها «داعش» لقوات تحرير الموصل. وحتى تتم هزيمة «داعش»، لا بد من هجمات إلكترونية مكثفة، لابد من تعقب مقاتلي التنظيم داخل الموصل وتهيئة سكان الموصل للمعركة الفاصلة، وتوقع أن يلعب التنظيم بورقة جعل السكان دروعاً بشرية، وتفجير سد الموصل، فحملة الموصل ستدار من مركز جديد للعمليات المشتركة في بلدة «مخمور» جنوب غربي أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق. وللتحالف الدولي قوات أيضاً في كل من سنجار وهيت وقاعدة الأسد الجوية، «وهي نقاط انطلاق رئيسية» لعمليات عسكرية تخضع لإدارة أميركية وعراقية ونتوقع خسائر بشرية غير مسبوقة في معارك تحرير الموصل وأن تستغرق العملية وقتاً أطول من المتوقع بكثير.