ينطلق المرشد الإيراني في لقائه بالأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي ومساعديه وخبراء المجلس بالتالي: «قرارات أمانة المجلس منوطة بسيادة المناخ الثوري بنسبة مئة في المئة في هذه المؤسسة، لأن التوجيهات إذا لم تتماش مع الثورة كلياً فلن ينتج عنها النتائج المنشودة». نسير مع القارئ في السطور المقبلة لنلقي الضوء أولاً على هذا المجلس ووظائفه، ولنجلي لاحقاً دلالة ذلك التصريح. يعتبر المجلس الأعلى للأمن القومي من أهم المؤسسات في إيران، ومن الروافد المهمة لصناعة القرار واتخاذه أيضاً. حيث يضطلع بمهمة الدفاع عن مصالح البلاد ووحدة أراضيها وكذلك ثورتها. وتحقيق الأمن والاستقلال للبلاد، وتتصف قراراته بأنها قرارات إلزامية ونافذة بعد مصادقة المرشد. كما يختص مجلس الأمن الوطني الأعلى بتعيين السياسات الدفاعية والأمنية للبلاد في إطار السياسات العامة التي يحددها مرشد الجمهورية. أضف إلى ذلك تنسيقه للنشاطات السياسية والأمنية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بخطط الأمن والدفاع. مثل هذه المهام بدورها تحتاج إلى وجود أعضاء ذي تأثير في عملية صنع القرار، وهو ما يتضح من خلال استعراض لأعضاء ذلك المجلس وهم: رئيس السلطة التنفيذية (رئيساً)، ورئيس السلطة التشريعية ورئيس السلطة القضائية، ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة، ومسؤول شؤون التخطيط والميزانية، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، وقائد الحرس الثوري والجيش النظامي، والوزير المختص بالقضية مثار النقاش. ووفقاً للمادة 176 من الدستور، تم تأسيس المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران عام 1989م، وذلك بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة والسيادة الوطنية ووحدة أراضي إيران، ويأتي علي شمخاني الذي يتولى منصب الأمانة العامة لهذا المجلس بوصفه ممثلاً للمرشد فيه. استعرض الأمين العام عند لقائه بالمرشد تقريراً عن فعاليات وأنشطة أمانة المجلس الأعلى للأمن القومي، معتبراً «وضع السياسات» و«التنسيق» و«الرقابة» ثلاث مهام أساسية تقع على عاتق مجلسه. تناول المرشد الإيراني في حديثه مع الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي ومساعديه مفهوم الأمن. فكيف يراه المرشد؟ يقول خامنئي: «لم يعد يقتصر الأمن على الجوانب العسكرية والأمنية فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى الأبعاد الاقتصادية والمعيشية والثقافية والسياسية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية. وفي ضوء الوضع المعقد الذي يمر به العالم، فإن مهمة المجلس الأعلى للأمن القومي من منظور المرشد تتمثل في اتخاذ القرار في إطار النظرة العامة الكلية والأبعاد الأخرى لمفهوم ومقولة الأمن. هذا الأمر يساهم بطبيعة الحال- كما يرى المرشد- في ضرورة وجود مناخ سائد على الأمانة العامة للمجلس وتوجيهاتها. يتساءل القارئ عن ماهية ذلك المناخ الذي يدور في مخيلة المرشد، إنه المناخ الثوري الذي لابد وأن يتطابق- كما يراه- مع الفكر الثوري الصحيح والخالص بنسبة 100%، وكذلك الحزب الإلهي. هذا الأمر سيفضي إلى قيام الأمانة العامة للمجلس بدور مهم للغاية في صناعة القرار بشكل صحيح وجيد. فالتوجهات والميول الثورية، من منظور المرشد، ليست مجرد أوهام وكليات أو عموميات محضة، إذ أن الميول والتوجهات الثورية واقعية وواضحة تماماً ومرتكزة على تصريحات الخميني. وبالتالي لابد من مواجهة مساعي البعض لاستبدال خطوط الثورة الأساسية والواضحة، مؤكداً أن الخميني هو«مظهر الثورة الإيرانية»، وعلى هذا الأساس فإن بياناته وتصريحاته التي تمت صياغتها في عشرات الكتب تعتبر«أسس الثورة وركائزها». مما تقدم يمكننا أن نستشف من حديث المرشد واستقباله لأمانة المجلس الأعلى للأمن القومي استمرار سياق الخطاب الثوري والذي يسير باتجاه تعزيز الفكر الثوري، وهو ما تجلى سابقاً في حديثه عن الحرس الثوري ودوره في تأصيل الجانب الثوري لدى إيران. كيف هو دور الخطاب والتطبيق العملي الثوري على سياسات النظام الإيراني في المنطقة وتأثيرها على استقرار المنطقة؟ لعلي أجد الإجابة عند القارئ الكريم.