كعادته تميز مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في تنظيم مؤتمره السنوي الحادي والعشرين «الشباب والتنمية»، وأكثر ما لفت انتباهي في المؤتمر هذا العام مشاركة وتفاعل الشباب مع جلسات المؤتمر، فكان لتعليقاتهم ومداخلاتهم أيما أثر في سير أعمال المؤتمر. ففي الجلسة الأولى، تمت مناقشة التحديات التي تواجه الشباب، سواء فيما يتعلق بالفكر المتطرف والهدام، أو فيما يتعلق بالتأثيرات السلبية للثقافات الوافدة التي يتأثر بها الشباب، أو فيما يتعلق بظاهرة البطالة التي تنتشر بين صفوفه، وذكر الخبراء المشاركون أن الشباب يواجهون تحديات كثيرة، مثل: الهوية والانتماء، والتضليل الإعلامي والثقافي، والبطالة، وهجرة العقول، وآفات التدخين والمخدرات. الجلسة الثانية تناولت دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تنمية الشباب، من خلال العديد من المحاور، حيث تناول المتحدثون طبيعة الأدوار التي تلعبها الجامعات، في بناء مجتمع المعرفة والتنمية الوطنية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كما تطرقوا إلى كيفية تفعيل دور المؤسسات الدينية في نشر الفكر المعتدل بين الشباب، وكيفية استثمار الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي في توفير تنمية معلوماتية وفكرية وثقافية شاملة للشباب. وعالجت الجلسة الثالثة دور الشباب في التنمية، ثم اختارت اللجنة المنظمة بعض التجارب المتميزة للتعامل مع قضايا الشباب من دولة الإمارات ومملكة البحرين. ومع تقديري للتجارب المحلية أو الخليجية والعربية، لفتت التجربة الماليزية نظري. وفي رأيي المتواضع بإمكاننا في دول المنطقة الاستفادة من هذه التجربة لو تعرفنا عليها عن قرب، فماليزيا دولة تربطنا معها الكثير من القواسم فهي دولة اقتصادية، اشتقت هويتها من مبادئ الإسلام السمحة، نجحت في علاج الكثير من القضايا التي تعاني منها الأمة العربية. فقد تجاوزت أزمة الفقر والبطالة والتطرف بكل مهنية، وأصبحت مدرسة تتعلم منها آسيا الشيء الكثير، ما أعجبني في تجرية ماليزيا في التعامل مع قضايا الشباب يكمن في الدراسات الاستقصائية التي تم إجراؤها للتعرف على مشاكل الشباب وتحدياتهم، فماليزيا دولة شابة يبلغ عدد الشباب عندهم قرابة عشرة ملايين شاب من الجنسين، ولفهم تحديات الشباب تم القيام بالعديد من الدراسات التي بينت أهم أربعة تحديات أمامهم وهي التحديات السياسية التي تشمل الوعي بالسياسة والقيادة والتفكير العالمي إضافة للعلاقات مع الدول الأخرى. التحدي الثاني مرتبط بالاقتصاد وتقلباته شاملة المهارات التي يتطلبها سوق العمل المستقبلي والتعامل مع ارتفاع تكلفة الحياة والفقر المنتشر بين بعض فئات الشباب. والتحدي الثالث ارتبط بالحياة شاملاً التعليم و مشاكل المجتمع وفهم الدين وتحديد الهوية الوطنية للشاب إضافة للصحة الجسدية والعقلية. التحدي الأخير هو التكنولوجيا، ومن عنوانه نحن نتحدث عن التحديات المرتبطة بوسائط التواصل الحديثة. وبناءً على هذه الدراسات الاستقصائية تم رسم خارطة المستقبل للشباب، والمطلوب من الحكومة تنفيذها، تشمل هذه الاستراتيجية 12 هدفاً استراتيجياً تضمنت التطور الذاتي للشباب والعلاقات الاجتماعية والصحة والتعليم والاقتصاد والسياسة إضافة لأهداف مرتبطة بأسباب النجاح في المستقبل. الأهداف الاستراتيجية مربوطة بـ58 مؤشراً تقيس مدى تمكن الحكومة من تحقيق هذه الأهداف. لا شك أن تجربة ماليزيا تخدم العالم العربي، وبالإمكان الاستئناس بها. في ختام المؤتمر صدر بيان تضمن العديد من التوصيات بشأن تمكين الشباب وتفعيل دورهم في التنمية، أهمها إنشاء منتدى دائم للشباب العربي والتنمية، على أن يكون مقره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بالإضافة إلى تشجيع اكتساب وتوظيف المعرفة وتبني الخطاب التنويري والوسطية السمحة، والارتقاء بالكفاءات وتشجيعها، وتطوير جودة تدريس العلوم، ودمج الشباب في قنوات المواطنة الهادفة والبناءة سياسياً واجتماعياً، بمثل هذه التوصيات تتحقق تنمية الشباب. *أكاديمي إماراتي