أصدر مركز «بيو» للأبحاث الأسبوع الماضي نتائج استطلاع واسع للرأي العام الإسرائيلي يركز على مواقفه تجاه الدين والهوية والقيم والقضايا السياسية التي تواجه بلاده، وفي الأيام التي أعقبت الإصدار، نشرت مقالات متعددة في إسرائيل والولايات المتحدة تعلق على نتائج الدراسة، وكان أغرب تلك المقالات واحداً نشر بعنوان «انقسامات عميقة بين اليهود الإسرائيليين يكشفها استطلاع بشأن الدين»، ونشر ذلك المقال في صحيفة «نيويورك تايمز» في الثامن من مارس الجاري، والمقال الذي كتبته «إيزابيل كريشنر»، كان محاولة واضحة تدمج بين التقرير الصريح والرأي المشوه. وبدأت «كريشنر» المقال بسرد مجرد لبعض نتائج الاستطلاعات قائلة: «إن غالبية اليهود الإسرائيليين يتزوجون من داخل طوائفهم الدينية أو العلمانية»، و«هناك طوائف فرعية مختلفة تفصل بشكل كبير العالمين الاجتماعيين»، و«لهم مواقف متباينة بشكل كبير بشأن القضايا السياسية العامة مثل ما إذا كانت المستوطنات في الضفة الغربية تسهم في أمن إسرائيل أم لا». وانتهى الجزء التقريري الصريح في مقال «كريشنر»، وعلى رغم ذلك تطرقت إلى واحدة من أكثر نتائج استطلاع الرأي المزعجة في المقال، والتي توضح أن نحو نصف اليهود الإسرائيليين أكدوا أن العرب لابد من طردهم، أو نقلهم من إسرائيل. ونظراً إلى عجز الكاتبة عن السماح بترك هذه النتيجة قائمة بذاتها، أضافت في الجملة نفسها عبارة «على رغم أن المحللين الذين أجروا استطلاع الرأي في إسرائيل وجدوا أن السؤال ينطوي على مشكلة في الصياغة». وإضافة هذه العبارة كانت «نموذجاً كلاسيكياً للتحريف»، وهي أداة كثيراً ما تستخدم في مقالات «نيويورك تايمز» لغرس الشكوك أو الارتباك بين القراء، بهدف تخفيف وطأة الحقائق التي تضر بإسرائيل، وتبدأ عادة بسرد «الحقيقة» في المقام الأول، وسرعان ما تتبعها (عادة في الجملة ذاتها) بملاحظة واهية تشكك في «الحقيقة»، ومن ثم تترك القارئ مشوشاً. ولم تكلف «كريشنر» نفسها عناء التوضيح المباشر للمشكلة التي ينطوي عليها السؤال الوارد في استطلاع الرأي، وإنما انتقلت إلى مناقشة نتائج أخرى من استطلاع الرأي في عدد من الفقرات، ثم عادت من جديد إلى قضية «نقل الفلسطينيين»، مكرسة الربع الأخير من مقالها لاقتباس مقولات عدد من محللي استطلاعات الرأي الإسرائيليين الذين يخبروننا بأن «نص السؤال محير جداً»، أو ربما أن الأشخاص المستطلعة آراؤهم من اليهود الإسرائيليين فهموا أن السؤال يشير إلى أن العرب سيغادرون طواعية، أو يتم تعويضهم كي يغادروا (كما لو أن ذلك سيجعل الأمر أفضل). ونقلت «كريشنر» عن محللة أخرى لاستطلاعات الرأي، انتقدت سؤال «نقل الفلسطينيين» قولها: «أشعر بتجريم غير مريح للشعب الإسرائيلي بناء على سؤال واحد»، معربة عن قلقها من أن «هذا السؤال الواحد» سيتم استخدامه كـ«سلاح» من قبل منتقدي إسرائيل! بيد أن الحقيقة أن السؤال كان شديد الوضوح، ولم يكن السؤال الوحيد في استطلاع الرأي الذي أعرب في إجابته الإسرائيليون عن آراء مثيرة للقلق بشكل كبير، وعلى رغم أنني أختلف مع مصطلح «سلاح»، ولكنه سيعتبر انعداماً للمسؤولية ألا نطرح أسئلة جادة بشأن ما يكشفه هذا الاستطلاع حول العنصرية في إسرائيل. وبداية، دعونا نلقِ نظرة على السؤال «الذي ينطوي على مشكلة في الصياغة»، ونرى ما إذا كان غامضاً أو مشوشاً أو غير واضح، والسؤال الذي تم توجيهه إلى الإسرائيليين هو: هل توافق أم ترفض هذه العبارة «يجب طرد العرب أو نقلهم من إسرائيل؟». ورداً على هذا السؤال المباشر، وافق 48 في المئة من اليهود الإسرائيليين، بينما رفض 46 في المئة منهم، ومن بين الإسرائيليين المتدينين أو الذين تلقوا تعليماً يهودياً، وافق الثلثان على فكرة ضرورة طرد أو نقل العرب. وهذه ليست النتيجة الوحيدة المزعجة في استطلاع الرأي، ذلك أن اليهود الإسرائيليين أيضاً سئلوا عما إذا كانوا يتفقون مع عبارة «اليهود يستحقون معاملة تفضيلية في إسرائيل»، فوافق 79 في المئة، ومن بينهم ما يزيد على 95 في المئة من المتدينين، أو الذين تلقوا تعليماً يهودياً. وبيت القصيد أن الثقافة السياسية الإسرائيلية باتت متعصبة بشكل كبير، وما توضحه تلك النتائج هو أن الإسرائيليين وثقافتهم السياسية في مشكلة، ولابد من مواجهة هذا الواقع الخطير بأمانة وبصورة مباشرة، وأما التبرير وتبييض الوجوه في مثل هذه المواقف فلن يؤدي إلا إلى تفاقم الخطر، وقد أساءت «نييورك تايمز» للإسرائيليين والفلسطينيين وقادتهم وقرائها هي أيضاً! ------------ رئيس المعهد العربي الأميركي