حدد رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون يوم 23 يونيو المقبل موعداً لاستفتاء يتم على ضوئه اتخاذ القرار النهائي فيما إذا كانت المملكة المتحدة ستبقى ضمن منظومة الاتحاد الأوروبي أم لا، وإذا اختارت بريطانيا الانسحاب من الاتحاد، وهو الخيار الذي بات يُعرف اختصاراً باسم «بريكسيت» Brexit، فإن تداعياته ستستشعرها دول أوروبا كلها، ولكنَّها ستكون أكثر قوة في إيرلندا الشمالية بشكل خاص. وعلى مدى أكثر من 40 عاماً، مثل الاتحاد الأوروبي الإطار السياسي الطبيعي والناجح الذي ساعد على تكريس وتثبيت السلام بين دعاة الاتحاد البروتستانت والقوميين الكاثوليك في إيرلندا الشمالية. أما الآن، فقد ظهرت جماعة «القوميين الإنجليز» ذات المواقف المتصلبة والمنبثقة عن «حزب المحافظين» الذي يترأسه كاميرون، فضلاً عن الجناح اليميني في «حزب استقلال المملكة المتحدة» الذي يهدد بتقويض هذا التطور، وتستند حركة هؤلاء إلى مواقف مشابهة لتلك التي أطلقها مؤيدو «مارين لوبن» في فرنسا و«دونالد ترامب» في الولايات المتحدة، وهم الذين شعروا بالملل من سياسات التقشف والاستياء من انخفاض الأجور وصعوبة تحصيل فرص العمل والخوف من فقد مناصب عملهم لصالح المهاجرين والنازحين عبر الحدود الأوروبية المفتوحة. ويمكن للتصويت لصالح الانسحاب من الاتحاد الأوروبي أن يؤدي إلى انهيار المنظومة الاتحادية للمملكة المتحدة نفسها، لأن سكوتلندا ستعيد من جديد النظر في فكرة انفصالها عن المملكة، ثم، ما الذي سيصبح عليه حال إيرلندا الشمالية؟ في إيرلندا الشمالية، أعاد الجدل الدائر الآن المتعلق بالانسحاب البريطاني المحتمل من الاتحاد الأوروبي إحياء النزعات الطائفية المتضاربة، وقد عبرت الأحزاب القومية الإيرلندية عن رغبتها في البقاء ضمن إطار الاتحاد الأوروبي، فيما عبر دعاة القومية البريطانية عن رغبتهم في الانسحاب، وهم الذين كثيراً ما عبروا عن استيائهم من أن الانتماء للاتحاد يؤدي إلى تضاؤل مشاعر الانتماء الوطني لبريطانيا، ويفرض عليهم بعض البدع الاجتماعية والأخلاقية الدخيلة والمرفوضة مثل ما يسمى «الزواج المثلي». وفي مقابل ذلك، من المتوقع أن يصوّت المزارعون ورجال الأعمال وأصحاب الشركات الإيرلنديون لصالح البقاء في الاتحاد لأنهم ينعمون بتدفق الاستثمارات والأموال. وعلى رغم كل ذلك، فإن اقتصاد إيرلندا الشمالية لا زال يعاني من عدم الاستقرار. وانسحابها من الاتحاد الأوروبي لن يؤدي بها إلى فقد الفرص الاستثمارية وإغلاق فروع الشركات الأوروبية العاملة فيها فحسب، بل أيضاً إلى فقد جاذبيتها بالنسبة للشركات العالمية التي تقصدها باعتبارها المنطقة الأوروبية ذات معدلات الضرائب الأقل من بين دول الاتحاد كلها. ويرى السياسي الإيرلندي الشمالي «جون هيوم» المشارك في الفوز بجائزة نوبل للسلام عام 1998 عن دوره في هندسة «اتفاقية الجمعة العظيمة» لوضع حدّ للاضطرابات في إيرلندا الشمالية، أن المشاركة في الهوية الوطنية الأوروبية من شأنها أن تخفّض من مشاعر العداء بين «القوميين الكاثوليك» و«الاتحاديين البروتستانت»، وبدلاً من التنازع والتقاتل على الغنائم المحلية في إيرلندا الشمالية، يمكن للطرفين السعي جنباً إلى جنب لزيادة الاستثمارات الأوروبية التي تتدفق على وطنهم المشترك. وقد ساهمت عضوية إيرلندا الشمالية في الاتحاد الأوروبي في تحسين علاقاتها مع بريطانيا، وأدى الاحتكاك المنتظم بين المسؤولين الحكوميين خلال الاجتماع الأسبوعي لمفوضية الاتحاد الأوروبي إلى تمتين الروابط بين الطرفين الإيرلندي والبريطاني، ووضع حد للشعور الذي يتداوله الإنجليز بأن إيرلندا ليست أكثر من «جارة صغيرة»، أو «جزيرة تقع خلف جزيرتهم»، وقد أعلنت الحكومة الإيرلندية بكل وضوح عن رغبتها في بقاء بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي، إلا أن المقترعين في المملكة المتحدة هم وحدهم من سيحددون موقفهم النهائي. ويكمن الخطر الأكبر بالطبع في أن يزعزع انسحاب بريطانيا حالة التوازن الهشَّة في إيرلندا الشمالية، لأن من شأن ذلك أن يدفع «القوميين الإيرلنديين» الذين سيشعرون بخيبة الأمل، إلى السعي للاتفاق على تأسيس إيرلندا موحدة، إلا أن هذا المسعى سيؤدي إلى ردود أفعال سلبية في أوساط «الاتحاديين»، ومهما كانت الزاوية التي ينظر من خلالها المرء إلى الموضوع، فإن من الواضح أن الانسحاب سيهيئ الفرصة للمتطرفين لإثارة الاضطرابات من جديد. ومن الأفضل الآن الدفع باتجاه إقامة «الولايات المتحدة الأوروبية» التي سبق السعي إلى تأسيسها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل تجنب المزيد من الحروب المدمرة التي شهدتها القارة الأوربية، ومجرد الانتماء إلى هذه المنظومة الجديدة سيرضي نوازع القوميين ويحقق الأمن الاجتماعي للجميع. ـ ــ ـ ـ تيد سميت ------------ نائب المدير التنفيذي لشركة «ماك جرو هيل» للخدمات المالية- نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»