التحرك الجديد لوقف إطلاق النار في اليمن خطوة إيجابية، فقد أعلن المبعوث الأممي إسماعيل وليد الشيخ أحمد أنه حمل رسالة من الحوثيين تتضمن رغبتهم في إيقاف الحرب بشكل نهائي، لكن الحكومة اليمنية اشترطت مجموعة من إجراءات بناء الثقة لإيقاف العمل العسكري. لا يختلف اثنان على أن لغة الحوار بين الإخوة الفرقاء في اليمن هي الحل لكل مشاكلهم المعلقة، ولا يمكن تحقيق الأمن والسلام إذا كان هناك طرف يحاول إقصاء الآخر وإبعاده، فالحرب مهما كانت مبرراتها، سواء أكانت ذات طابع قومي أو ديني أو مذهبي، الخاسر الأكبر فيها هو الوطن والشعب، ولكي يتحقق السلام والأمن والاستقرار في بلداننا علينا أن نقضي ونصفي خلافاتنا المحلية، سواء كانت ذات طابع ديني (مذهبي) أو قومي أو عرقي، وأن لا نسمح لغيرنا بالتدخل في شؤوننا المحلية من خلال سد الفراغ السياسي أو الهوة بين الدولة والأقليات فيها. ما حصل في اليمن نموذج لفشل الدول العربية في حل الخلافات الداخلية. لقد تدخلت دول الخليج لحل الخلافات بين القوى السياسية اليمنية والرئيس المخلوع «صالح»، وقد وافق جميع الفرقاء على إجراء حوار لأجل حل الخلافات، ودام الحوار عاماً كاملاً، واتفق الجميع على تشكيل حكومة جديدة، وتولى نائب الرئيس (هادي) السلطة وأشرف على وضع دستور جديد للبلاد والدعوة للانتخابات، لكن ما حصل هو أن الرئيس صالح كان يطمع في العودة للسلطة مرة أخرى، واتفق مع الحوثيين على رفض الاتفاق ومحاولة الهيمنة على السلطة بالقوة، بتشجيع ودعم من إيران التي تحاول الهيمنة على أكثر من عاصمة عربية. هذا التحرك المشبوه دفع بالسعودية ودول الخليج العربية نحو تشكيل قوة وبدء عملية عاصفة الحزم لاسترجاع السلطة الشرعية في اليمن. والآن، وبعد مرور عام على الحرب، نتساءل: هل سيتم الاتفاق على وقف إطلاق النار وإطلاق مفاوضات جادة؟ هل يمكن الوثوق بالرئيس المخلوع صالح والحوثيون؟ وهل لدى إيران الاستعداد لقبول مبدأ عدم التدخل في اليمن؟ ومن الذي يضمن عدم تغير مواقف القبائل اليمنية حسب مصالحها؟ ليس لدينا إجابة جاهزة لكل هذه التساؤلات، لكن المؤكد هو أن فكر الإقصاء والانتقام لا يمكن التخلص منه قريباً، لأن الثقافة السياسية السائدة لا تعرف كثيراً مفهوم احترام الآخر والحوار معه والإيمان بفكر التسامح، وأن مصلحة الوطن هي الأولوية وليس مصلحة القبيلة أو الطائفة. التجارب الإنسانية المعاصرة، سواء في إسبانيا خلال ثلاثينيات القرن لماضي حيث دامت الحرب الأهلية 30 عاماً وراح ضحيتها أكثر من مليون شخص، ولم تستقر إسبانيا إلا بعد موت فرانكو في السبعينيات، أو الحربين الأهليتين في جنوب أفريقيا وكمبوديا، واللتين راح ضحيتهما ملايين البشر.. توضح هذه التجار كلها أن الأطراف جلست في النهاية وتصالحت وأعادت بناء أوطانها على أسس جديدة. علينا أن نعترف بأن ما حصل في إسبانيا أو كمبوديا أو جنوب أفريقيا، يختلف تماماً عن الحروب الأهلية في منطقتنا، فالفكر الإقصائي الذي تحمله جماعات الإسلام السياسي، سواء أكانت سنية أم شيعية («داعش» أم «حزب الله»، وكذلك الميليشيات السنية والشيعية في العراق ولبنان واليمن وليبيا..) هو فكر متطرف لا تحمله الشعوب الأخرى. وحتى تنتهي الحروب في منطقتنا علينا إبعاد الدين عن السياسة ورفض الأفكار الإقصائية والتركيز على التعددية وحقوق الإنسان. *أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت