منذ خمسة أعوام، أدى زلزال بقوة 9 درجات على مقياس ريختر قبالة الساحل الشرقي لليابان، إلى إطلاق تسونامي(موجات مد كاسحة) أدى إلى مصرع 20000 ألف شخص، وتدمير منشأة «فوكوشيما دايتشي» النووية، وتسرب مواد مشعة منها. وسببت الكارثة خسائر اقتصادية قدرت بنصف تريليون دولار، وأدت إلى إغلاق 50 مفاعلاً نووياً، وحرمان اليابان من 30 في المئة من طاقتها الكهربائية. في عام 2011، زرت طوكيو موفداً من مؤسسة «مورين ومايك مانسفيلد» لعقد مجموعة دراسة يابانية – أميركية مشتركة، لاستخراج الدروس السياسة المستفادة من كارثة فوكوشيما. آنذاك أدركت المجموعة أن التحدي المباشر والعاجل الذي يواجه اليابان، هو تنظيف وإزالة كل مظاهر الدمار والفوضى، التي نتجت عن كارثة الزلزال. ولكن كانت هناك أيضاً تحديات متعلقة بالسياسة العامة، تطل برأسها في الأفق، من بينها مواجهة المخاطر- التي باتت واضحة بعد الكارثة- بشأن استخدام الطاقة النووية. في العام الماضي، اجتمعت المجموعة مرة أخرى لقياس التقدم الذي حققته اليابان في معالجة آثار الكارثة. من مظاهر التقدم الذي حققته اليابان في هذا المجال، أنها باتت تمتلك الآن «هيئة تنظيمية نووية» جديدة، تعمل بعيداً عن تأثير أصحاب المصلحة في استمرار الطاقة النووية. وقد فرضت هذه الهيئة معايير سلامة جديدة أكثر صرامة من تلك التي كانت موجودة في السابق، وتعد استجابة للتحديات التي فرضتها كارثة فوكوشيما. والشيء الإيجابي بالإضافة لذلك، أن العديد من مسؤولي المنشآت النووية، قد أجروا تحسينات في مجال السلامة، تفوق المعايير التي حددت الهيئة التنظيمية النووية، في محاولة منهم لاكتساب الثقة العامة. واستعادة ثقة اليابانيين في الطاقة النووية، يتطلب ما هو أكثر من فرض إجراءات تنظيمية أكثر صرامة. فهو يتطلب قدراً أكبر من القيادة من رئيس الوزراء الياباني«شينزو آبي»، الذي تحتل الطاقة النووية مكانة مركزية في قائمة أولوياته التي يأتي على رأسها إعادة تنشيط الاقتصاد، وحماية الأمن القومي. ومع توقف المفاعلات النووية عن العمل، لم يكن أمام اليابان سوى أن تزيد بشكل حاد من وارداتها من النفط والغاز، وهو ما أدى إلى معاناتها من أول عجز في ميزانها التجاري منذ عقود. واليابان معرضة أيضاً لانقطاع إمدادات الطاقة بسبب عدم الاستقرار السياسي، والكوارث الطبيعية، وتذبذبات أسعار العملات. على الرغم من أن آبي قد أظهر شجاعة سياسية بدعوته لبقاء الطاقة النووية كجزء مهم(الخامس تقريباً في قائمة الترتيب) من مزيج أنوع الطاقة الذي تستخدمه اليابان، فإن مهمته لا تنتهي عند هذا الحد. فحتى والمفاعلات النووية تعود للخدمة، فإن اليابان لم تتعامل أبداً بشكل مباشر مع سؤال المخاطر بعد كارثة فوكوشيما، أي لم تتناول السؤال المتعلق بمدى المخاطرة التي يبدو المجتمع الياباني مستعداً لتحملها. وعلى الرغم من أن «الهيئة التنظيمية النووية اليابانية» قد وضعت معايير جديدة لتخفيف المخاطر، فإنها، ترفض-وهذا شيء مفهوم- أن تلعب دور الحَكم في تقرير ما إذا كانت المفاعلات النووية «آمنة بدرجة كافية» بما يسمح لها ببدء العمل مجدداً، أم لا؟ وهو سؤال يقع في قلب السجال الدائر حول هذه المسألة. وإذا فشل «آبي» في إيجاد إجابة لهذا السؤال، قبل إعادة تشغيل المفاعلات النووية، فإنه يكون قد ألقى بالهيئة التنظيمية المذكورة في قلب السجال، ولكن المشكلة أن هذا السؤال ليس سؤالاً تنظيمياً، بل يتعلق بالسياسة العامة. و«آبي» مطالب قبل أي شيء أن يوضح للشعب الياباني حدود المسؤولية بشأن السلامة النووية، أي أن يخبرهم بشكل جلي أن إعادة المفاعلات للعمل تستحق المخاطرة من أجلها، وأن يضع ثقله وراء تقوية الحوكمة النووية. وإلى أن يفعل ذلك، فإنه يترك ثغرة في قلب المسألة التنظيمية، ويعرض البلاد لمخاطر غير ضرورية، تتمثل في احتمال تعرضها لفوكوشيما أخرى. رايان شافر* رئيس (مجموعة الولايات المتحدة- اليابان النووية). ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تربيون نيوز سيرفس»