تنطلق الأكاديمية والمؤلفة الفرنسية جيني رافليك في كتابها الصادر مؤخراً تحت عنوان: «الإرهاب والعولمة.. مقاربة تاريخية»، من قراءة تتبعية شاملة لظاهرة الإرهاب، منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى الآن، محاولة مع ذلك ألا تتحول دراستها إلى نوع من التأريخ الكرونولوجي لظاهرة الإرهاب، بحيث تكتفي بذكر الوقائع والأحداث المصنفة، تاريخياً أو سياسياً، ضمن خانة الإرهاب والترويع الجماعي المستهدف. وبدلاً من ذلك فضلت أن يكون كتابها مقاربة تحليلية ونقدية، مع الاستناد أيضاً إلى قاعدة بيانات من المعلومات التاريخية الموثقة والمؤشرات السياسية المدققة، وهذا ما يجعل كتابها أكثر رصانة، ومنهجه أكثر دقة وموضوعية من كثير من المؤلفات الأخرى التي ظهرت في الغرب خلال السنوات الأخيرة في مواكبة لتفاقم تحدي الإهاب في أكثر من منطقة من مناطق العالم اليوم. ولعل مما يزيد أيضاً من قيمة هذا الكتاب، كون مؤلفته أستاذة جامعية متمرسة في الدراسات التاريخية بجامعة سيرجي- بونتواز الفرنسية، كما أنها أيضاً ذات صلة بمعهد الدراسات العليا في مجال الدفاع الوطني بفرنسا. وتسعى الكاتبة في مختلف فصول كتابها الواقع في 416 صفحة، لتتبع العلاقة المعقدة بين تفاقم ظاهرة الإرهاب على صعيد عالمي وتنامي تأثير ظاهرة العولمة وما أتاحته من فرص اتصال وتشابك دوليين، مبرزة في هذا السياق، من خلال تحليل مقارن، أن العلاقة بين الظاهرتين علاقة طردية، بمعنى أنه كلما زاد قدر تأثير ظاهرة العولمة في العالم زاد في المقابل أيضاً تفشي خطر الإرهاب والعنف المقترف لأغراض سياسية متطرفة. ومنذ العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر، ظهرت إلى السطح، بحسب ما ترى المؤلفة، ثلاثة أنواع أساسية من الإرهاب، هي ما تسميه «عائلات» أو «مدارس» الإرهاب الكبرى، التي يمكن تصنيف كثير من حركات العنف والإرهاب الفرعية في إطارها، وهي: الإرهاب لدواعي قناعات ثورية (مثل الجماعات الاشتراكية الفوضوية، وحركات اليسار المتطرف التي نشطت كثيراً بشكل خاص خلال سنوات عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي)، والإرهاب القومي- العرقي (الذي ظهر بشكل كبير خاصة في منطقة البلقان، ثم في مناطق أخرى كثيرة من العالم في مرحلة ما بعد الاستعمار)، وأخيراً الإرهاب الهوياتي، وهو في الغالب استمرار للنوع السابق (ومن هذا النوع عنف جماعات كوكلوكس كلان والنمور السوداء في أميركا، ثم الإرهاب الإسلاموي بمختلف تفرعاته وجماعاته). وتبرز الكاتبة، ضمن جهدها التتبعي أيضاً، الكيفية التي انتقل بها الإرهاب في كل حالة من مرحلة تهديد الاستقرار والسلام الاجتماعي على المستوى الوطني في البلاد التي يظهر فيها أصلاً، إلى مرحلة تهديد السلام العالمي وممارسة العنف على صعود دولي، وفي دينامية الخروج هذه من الوطني إلى الدولي، تتعدد وتتوزع أهداف الإرهابيين، كما تتغير أيضاً مفاهيمهم ورؤيتهم واستراتيجيتهم المتطرفة في فهم العالم، وفي طرق ممارسة العنف ضده. وبطبيعة الحال، فليست هذه هي الدينامية المتصاعدة المستهدفة لنشر الرعب والخوف هي مشكلة الإرهاب الوحيدة، بل إن ثمة أيضاً مشكلة سياسية أخرى هي ما يجعل المجتمع الدولي أقل فاعلية في تطويق خطره، ألا وهي عدم الاتفاق على تعريف جامع مانع لمفهوم الإرهاب نفسه، فمنذ أول مؤتمر دولي في سنة 1898 حول سبل احتواء خطر جماعات الإرهاب -وكانت جماعات الاشتراكية الفوضوية حينها هي من يمثله- ظلت بلدان العالم مختلفة بشدة حول تعريف هذه الظاهرة، وبقي كل بلد يتبنى تعريفاً ورؤية بحسب مصالحه ومواقفه السياسية، وهو ما جعل عملاً موصوفاً بالإرهاب في منطقة من العالم قد لا يوصف بذلك بالضرورة في منطقة أخرى، بحسب ما يكون عليه حال افتراق المفاهيم والرؤى والمصالح الدولية. وهنا المشكلة الحقيقية. حسن ولد المختار الكتاب: الإرهاب والعولمة.. مقاربة تاريخية المؤلف: جيني رافليك الناشر: غاليمار تاريخ النشر: 2016