يبدأ رئيس حكومة كندا جاستين ترودو زيارته الرسمية الأولى لواشنطن، تلبية لدعوة الرئيس أوباما التي وُجهت إليه عند لقائهما في تركيا في نوفمبر الماضي، عقب فوز حزب «الأحرار» الكندي بالانتخابات وانتخاب ترودو رئيساً للحكومة. وقيل وقتها إن الرئيس الأميركي قد أعرب عن إعجابه الشديد بالحملة الانتخابية الناجحة التي أوصلت ترودو إلى سدة رئاسة الحكومة الكندية، وتنبأ بأن هذا السياسي الشاب سيحمل معه الطاقة الشبابية والإصلاح والأمل، وهي الرسالة السياسية التي يتطلع إليها الرئيس الأميركي ورئيس الحكومة الكندية.. ويتطلع الكنديون والأميركيون إلى أن تحقق زيارة ترودو الأولى لواشنطن نتائج حسنة لمصلحة البلدين، فقد تلعب العلاقات الشخصية بين الحكام دوراً في تسهيل التفاهم وتوفير جو من الثقة المتبادلة بينهم. والعلاقات المتوترة بين الحكومتين خلال العقدين الأخيرين، خاصة سنوات حكومة المحافظين برئاسة ستيفن هاربر الأخيرة، لم توفر لأي رئيس كندي مثل هذه الفرصة النادرة منذ عام 1997، عندما أقام الرئيس الأسبق بيل كلينتون احتفاءً مماثلاً لرئيس الحكومة الكندية الليبرالي جان كريستان.. وقد احتقنت العلاقات المشوبة بالتوتر بين أتوا وواشنطن في ولاية هاربر الثانية، بفعل تصرفات وأحاديث ومواقف صدرت من الزعيم الكندي اعتبرها الأميركيون غير مقبولة من رئيس حكومة تربطها ببلادهم علاقات تاريخية ومصالح مشتركة اقتصادية وعسكرية وأمنية.. والواقع التاريخي يقول إن العلاقات الأميركية الكندية دائماً ما تكون في قمة التفاهم والود المتبادل عندما يكون الرئيس في كلا البلدين إما من حزب«الأحرار» الكندي أو الحزب «الديموقراطي» الأميركي، ويعود ذلك في رأيي إلى التقارب الأيديولوجي بين الحزبين الكبيرين. وفي أجندة اجتماعات أوباما- ترودو، تأتي مسألة العلاقات بين البلدين وأهمها العلاقات التجارية التي تعاني من هبوط ملحوظ، ربما بسبب حالة الوضع الاقتصادي الأميركي التي تؤثر على الاقتصاد الكندي بشكل كبير، فالولايات المتحدة هي أكبر مستورد من كندا وميزان التبادل التجاري بين البلدين يميل دائماً لمصلحة كندا، وهو أمر مقبول لدى الأميركيين. وبسبب التوترات السياسية، فقد سبق للحكومة الأميركية أن حددت سقف استيراد الأخشاب الكندية (وهو الإنتاج الكندي الأكبر في ميزان التبادل التجاري). والبند الثاني في أجندة محادثات الرئيسين يعود إلى مسألة موافقة أو عدم موافقة الإدارة الأميركية على مشروع خط الأنابيب الكندي الذي سيمر عبر ولايات الغرب الأميركي، والذي تفاوض حوله الجانبان لسنوات، وتوصلت اللجنة الوزارية المشتركة لاتفاق في العام الماضي وأحالته إلى الرئيسين، فوافق عليه بعجلة رئيس الحكومة الكندية هاربر، وكان يأمل أن يكون الاتفاق أحد أعمدة حملته الانتخابية. ولكن «البيت الأبيض»- كما يقولون- رأى أنه يحتاج إلى وقت أطول لدراسته والموافقة عليه، الأمر الذي أثار حفيظة الرئيس الكندي ضد أوباما وغضبه الذي لم يخفه أبداً. والآن يأمل الكنديون أن يحصل ترودو على موافقة توقيع الرئيس الأميركي، ولو تم ذلك فسيكون نجاحاً كبيراً له ولحزبه. ويبدو أن أوباما لا يخفي رغبته في مساعدة ترودو في تحقيق برنامجه للإصلاح والأمل وسيوقع على الاتفاق المشترك. والأجندة تحمل أيضاً قائمة طويلة من الموضوعات المهمة الأخرى، ولكن أهمها في ملفات العلاقات الدولية، ومواقف البلدين المتوافقة في الموقف من الإرهاب والحرب ضد «داعش»، أن لحكومة ترودو موقفاً ثابتاً من الحرب ضد الإرهاب، فهي مع الموقف الدولي الإجماعي ضد الإرهاب.. وحزب «الأحرار» الحاكم أعلن في برنامجه الانتخابي قراره بسحب الطائرات الحربية الكندية العاملة ضمن قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.. والكنديون يرون أن الحرب ضد «داعش» لتحرير الأراضي العراقية والسورية هي مسؤولية العراق وسوريا، وأن مهمة دول التحالف هي أن توفر لهم العون والتدريب العسكري والأسلحة والعتاد، وكل ذلك تحت شعار أن أهل البلدين أولى بتحرير أرضهم من الإرهابيين (داعش أو القاعدة أو أي تنظيم إرهابي آخر).. وبالفعل فقد بدأت الحكومة الكندية تنفيذ وعودها الانتخابية هذا الشهر.. ولم يؤخرها عن ذلك سوى رجاء قيادة التحالف العسكرية أن تمنحها وقتاً لإعادة تنظيم أمورها الإدارية عند سحب الطائرات الكندية.. وستكون زيارة ترودو لواشنطن فرصة ليشرح هناك تفصيلاً الرؤية الكندية في مسألة الحرب ضد الإرهاب، وقد يكون حاملاً معه تطوراً أكثر بعداً لهذه الرؤية، وخاصة بعد دخول روسيا في الميدان، وهو قد ورث من سابقه علاقات متوترة أصلاً مع روسيا. وهذه الزيارة الرسمية الأولى لرئيس الحكومة الكندية تحمل آمالاً كبيرة لكلا البلدين، وقد تشهد اتفاقيات جديدة، وتنشط الاتفاقيات القديمة. وعلى رغم أن ولاية أوباما على وشك الانتهاء، فإنه يبدو أنه سيستمر في نشاطه ومهامه الرئاسية إلى آخر يوم في ولايته.. ويأمل الكنديون أن تخلفه في الرئاسة المترشحة هيلاري كلينتون الصديقة القديمة لكندا.