يذهب الحديث عن الانتخابات البرلمانية الإيرانية الأخيرة إلى مسار الأضحُوكة السياسية السمجة التي يدور السجال دائماً حول جدواها الواقعي لصالح تهيئة إيران لمستقبل آخر غير الذي تعيش فيه منذ عقود الثورة السوداء. ما هو مفهوم الإصلاحي في إيران، أهو حزب معارض لحكومة الملالي؟ كيف يكون ذلك وهم أصل الملالي وليسوا فرعاً منهم؟! فهذا أبعد في إيران من الخيال السياسي الجامح للبعض الذي عوقب في مهده عام 2009 عندما وقعت أعمال القمع الدامية ضد ما سمي بالمعارضة من قبل الإصلاحيين والمحافظين؟! عندما صعد «روحاني» إلى الحكم، قيل إنه سيعيد أمجاد «خاتمي»، الذي وصف في حينه بالمثقف المنفتح، وإنه سينصف الاعتدال من المحافظين الثقال. كان عهداً كالحلم مر كطيف عابر لذات إيران الماضي والحاضر بلا مستقبل آخر حتى الآن. إسراف كبير أن تنصبّ أطنان من الأحبار بوسائل الإعلام في مختلف أدواته على التحليل الذي لن يعيد تعريف الماء بغير الماء، بل اليوم تغير ذلك الماء الخفيف إلى الثقيل لضرورة فك القيد النووي -بمباركة القوى الكبرى- عن رقبة إيران في جولة العقد الماضي من عمر الزمان المهدر بلا فائدة تعود على الإنسان في إيران، فضلاً عن الآخرين الخارجيِّين من الأعوان. ليست هناك فروقات سبع بين الإصلاحيين والمحافظين في الحياة السياسية الإيرانية، لأن المشروع القومي النووي، مع الإصرار على التدخل الصريح في شؤون الدول الأخرى، أمر متفق عليه ولو تم استخدام سلاح «حزب الله» الإرهابي، وكذلك سهام «الحرس الثوري» المغروسة في قلوب الشعب السوري واللبناني والعراقي واليمني أخيراً وليس آخراً بالطبع الذي يغلب التطبع الإيراني. وهذا ما أكد عليه قرقاش في تغريدته الأخيرة عندما أشار إلى أن «المتابع للتصريحات الإيرانية المدافعة عن «حزب الله»، ضد تصنيفه جماعة إرهابية من قبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، يلحظ أنها غالباً صادرة عن القوى التي خسرت الانتخابات في إيران». إيران منذ الثورة الشيعية لا تسمع لأحد إلا لجزء من نفسها، فالجزء الأكبر من الشعب فرضت عليه أحكام الغيبوبة الكبرى، حتى فقد ميزة التفوق التي عرف بها ما قبل العهد الثوري. السياسة الحقيقية مخفية في لفات عمائم الملالي المتمتعين بكل ميزات الخمس الإجبارية على رقاب الشعب الذي يبحث له عن وظيفة تحفظ ماء وجهه أو وسيلة متاحة لإيصال صوته المكتوم والمبحوح في آن لكل الآذان الصاغية إلا آذان من بيده الحل والعقد والربط بالمصير المجهول. الشعب الإيراني المشفوق عليه والمبتلى بنظام كان بإمكانه أن يعوضه «ظلم» الشاه، كما روّج لذلك، ظل تحت نظام حكم واصل ذات الدور، ولكن تحت شعارات ثورية ثائرة منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم تخمد حتى هذه الساعة، والتي من الضروري فيها أن تقوم قيامة المستقبل مع العالم من حولها، بدل أن تحوم حوله طائفية شيعية ضيقة المسارب على استنشاق الهواء في أكثر من رئة لضرورة العالمية في النظر إلى الأمور، بعد أن طال الصبر وانتظار الفرج على الشعب في الداخل وشغل ببطولات مزيفة بممارسة النظام خارج أرضه بالحديد والنار وليس بالقلم والقرطاس والأحبار. لم تعد في إيران اليوم سياسة بالمعنى المعروف في كل العالم المسيس حتى النخاع، بل كل ما هنالك تيارات هوائية ملوثة لكل محيطها، بل لأبعد منه بكثير. بالموجز اليسير، قام النظام بكل ما يستطيع لإبعاد شبح الإصلاحيين عن الساحة السياسية، بما أوتي من قوة العمائم وليس بما يمليه الواقع، وذلك لوجود نزر يسير من حمائم السلام، بدل حمّام الدم الذي يراق وينزف من داخلها وفي خارج نطاقها بلا أدنى تراجع عن هذا الخط الفاصل بين ممارسة بعض الديمقراطية الخادعة والترويج لنوع من «التعددية» يسحق أي دعوة حقيقية للإصلاح السياسي، شأنه شأن أي نظام اعتمد الآلية الانتخابية في تسيير أمور الدولة القمعية. ما يدور داخل أروقة الحكم في إيران، بكل مستوياته، لا يخدم أي مشروع فيه رائحة للاستقرار والسلام والأمان، فالمعادلة من الأصل مختلة، والعقول الإصلاحية في إيران مُحتلة منذ اعتماد الطائفية المذهبية الاثنى عشرية، خطاً سياسياً أوحد للدولة الإيرانية الهلامية. إنها إيران الثورة، وقد مضت عليها قرابة أربعة عقود، وتنطبق عليها الآن مقولة «لا يصلح العطار ما أفسده الدهر»، خاصة عندما شرعنت إرهاباً شبيهاً بإرهاب «داعش»، بل في السياسة الدولية هو أكثر همجية وإرعاباً.