إثر التطورات التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وجدنا أن «حزب الله» قد انعطف انعطافة تاريخية سلبية عن شعاره القائل: إن سلاح الحزب موجه فقط ضد إسرائيل! فالأحداث الجارية منذ أربع سنوات في سوريا، وبعدها في اليمن، ثم التدخلات والتحريضات ضد البحرين والسعودية.. كل ذلك يشير إلى أن الحزب أضاع البوصلة في انتمائه للأمة العربية وقضاياها الرئيسة. فقد احتلت عناصر الحزب وسط بيروت في حالة هياج وعدم تقدير للطوائف اللبنانية الأخرى، في مايو 2008، ما عطَّل الحياة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وشوه مدينة بيروت الجميلة. كما دخل الحزب في النزاع السوري، مُسبباً الحرج للدولة اللبنانية التي لم تستطع أن تحرّك ساكناً، مما أثار بعض البلدان العربية التي وجدت في تصرفات الحزب مخالفة واضحة لحق الشعب السوري في تقرير مصيره من دون تدخل من أحد. وتطوَّر الأمر حتى ضغط الحزب على الدولة اللبنانية في عدم إدانة الاعتداءات التي طالت المقار الدبلوماسية السعودية في إيران، وهو مؤشر خطير لابد أن يؤثر على مسار العلاقات اللبنانية الخليجية، ومخالفة صريحة لقواعد القانون الدولي وميثاق جامعة الدول العربية، ولخصوصية العلاقة بين لبنان والمملكة العربية السعودية. وعلى الرغم من ذلك فقد بدا الحزب كما لو أنه فوجئ بقرار المملكة تجميد 3 مليارات دولار، سبق أن خصصتها لدعم الجيش اللبناني. وحقيقة الأمر أن القرار السعودي جاء نابعاً من العقل، إذ مَن يضمن عدم وقوع ذلك السلاح في أيدٍ غير أمينة، خصوصاً في بلد ليس له رئيس منذ فترة، وتتنازع حكومتَه اتجاهات متعاكسة لا تصبُّ كلها في خدمة الشعب اللبناني. تُدرك العديد من الطوائف اللبنانية أن ولاء «حزب الله» ليس للبنان، بل للخارج، وهذا مخالف لأبسط قواعد الانتماء الوطني، فما بالكم لو تسبب هذا الولاء في «إحراج» السيادة الوطنية للبنان، عبر اتخاذ مواقف شاذة في قضايا عربية مُلحة. لقد أدان مجلس وزراء الداخلية العرب ممارسات إيران في المنطقة، ووصفوا ميليشيات «حزب الله» والتنظيمات التابعة لها والمنبثقة عنها، بالمنظمة الإرهابية. وكانت دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قد اعتبرت ميليشيات «حزب الله» منظمة إرهابية! وجاء الرد من إيران، إذ صرح وكيل وزارة خارجيتها (مرتضى سرمدي) لوكالة «سبوتنك الروسية» قائلاً: «ندين بيان دول مجلس التعاون باعتبار حزب الله منظمة إرهابية، فهذا القرار غير مسؤول، والمنظمات الإرهابية باتت معروفة للجميع في المنطقة». هذا ولم تنفك إيران منذ قيام ثورة الخميني تمارس التصعيد ضد دول المنطقة، حيث غابت مفردات حسن الجوار، والتفاهم السلمي، والمصالح المشتركة. ومما زاد الأمر تعقيداً الآن هو اشتراك عناصر «حزب الله» في الصراع الدائر في سوريا، سعياً لإجهاض الثورة السورية، وتأجيل الإطاحة بنظام الأسد، إلى جانب دخول عناصر استخباراتية وعسكرية إيرانية في العمق السوري. علاوة على دور الحزب في محاصرة المدن والبلدات السورية وحرمان سكانها المدنيين من الإمدادات الغذائية والطبية. لبنان بحاجة لعودة الوئام إلى جنباته، أما الرصاص والأعلام المزركشة بألوان الطوائف والولاءات الخارجية، والعنفوان المستورد والهياج الإعلامي.. فأي من ذلك لن يعيد للبنان أمنه وسلامته وجماله. لبنان بحاجة للتفوق بكل طوائفه، وللتدليل على أنه الأجمل والأغلى، أما أن يكون «حديقة خلفية» لدول أخرى، أو يتحول إلى «صالة قمار» لمقامري السياسة في الشرق الأوسط، فلن يقربه ذلك من لحظة التعافي! إن شعوب ودول مجلس التعاون لا تضمر إلا الحب للبنان، أرضاً وشعباً، وقد شهد التاريخ على عُمق هذه العلاقة في الأيام الحالكات التي مرَّ بها لبنان. لكن عندما أَطَلت المذهبية والطائفية برأسها من خلال الممارسات الأخيرة لـ«حزب الله»، فقد تعينت مراجعة المواقف. ولا يجوز لبعض الساسة زجّ اسم القضية الفلسطينية في أتون الصراع السياسي داخل لبنان أو خارجه. كما أن من حق دول التعاون حماية حدودها وشعوبها من أي تدخل، فما بالكم لو جاء هذا التدخل من إيران المتحالفة قلباً وقالباً مع «حزب الله». أليس من حق هذه الدول حماية مقدراتها مهما كان الثمن؟