كان يوم الثلاثاء الأول من مارس (الثلاثاء الكبير) يوماً حاسماً في تحديد توجهات الناخبين الأميركيين في اختيار مرشحهم المفضل لانتخابات الرئاسة القادمة لكلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي. بالنسبة للجمهوريين، بدا منذ بداية الحملة الانتخابية أن المرشح المختلف عليه وسط الناخبين هو البليونير دونالد ترامب الذي مثلت تصريحاته ثورة عجيبة حيرت قادة حزبه، حيث «شطح ونطح» بصورة غير معروفة أثناء الحملات الانتخابية، أثارت غضب وخوف الأميركيين من ذوي الأصول الإسبانية والمكسيكية، وكذلك المسلمين وجميع الأقليات العرقية والدينية الأميركية الأخرى، حيث شن حملة هوجاء على الجميع وضعت قيادة المؤسسة الجمهورية في وضع حرج وهي أصلاً لا تحبه وتتخوف من حملاته الهوجاء التي شملتها. لكن الثلاثاء الكبير أكد أن ترامب يحظى بتأييد أغلبية المندوبين الجمهوريين وبفارق كبير مع بقية المرشحين الجمهوريين. هذا بينما أعلن ترامب أنه لا يثق في حكم المؤسسة الحزبية، وهدد بإعلان نفسه مرشحاً مستقلاً لو أسقطوا ترشيحه. لذلك قد يكون الحزب الجمهوري مقبلا على «شرخ كبير» من الصعب تفاديه أمام عناد وتصلب ترامب وخوف الجمهوريين من خسارة الانتخابات الرئاسية فيما لو أصبح مرشحهم الرسمي! أما بالنسبة للحزب الديمقراطي، فقد أكدت كل النتائج السابقة على الثلاثاء الكبير بأن المرشح المفضل لأغلبية الديمقراطيين هو وزيرة الخارجية السابقة وعضو الكونجرس، هيلاري كلينتون التي حصلت على أغلبية الأصوات أمام منافسها براين ساندرز، الاشتراكي الذي يعلن بجسارة أنه المرشح التقدمي الذي تحتاج إليه الولايات المتحدة ليوقدها نحو العدالة الاجتماعية والبيئة النظيفة والذي يحتاجه السلم العالمي.. وهي الشعارات الأساسية لحملته الانتخابية، حيث أكد في خطابه الأخير (الثلاثاء الكبير) أنه سيظل يقاتل من أجلها حتى النهاية. لكن ماذا لو نجحت هيلاري وأصبحت أول رئيسة للولايات المتحدة؟ بالنسبة لنا في العالم العربي والإسلامي لن يطرأ فارق كبير على سياسة إدارة الرئيس أوباما في الدائرة التي تشغل العالم بقضاياها ومشاكلها وحروبها الإرهابية وفقر السكان وغنى الأوطان فيها.. ستستمر إدارة هيلاري على نفس الخط السياسي الذي لن يعلن عداءً صريحاً لنا ولا تأييداً صادقاً في قضايانا الكبرى، وستستمر في نفس الخط المؤيد لإسرائيل وسياستها على الأرض، مع كثير من الحديث عن السلام وكثير من المساعدات العسكرية والأموال الأميركية لتل آبيب. أما بالنسبة للداخل الأميركي، فإن «الرئيسة هيلاري» ستكمل المشوار الذي بدأه أوباما ومن قبله زوجها بيل كلينتون، لتحقيق برنامج الديمقراطيين للرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي وبناء القوات المسلحة التي حافظت على «أميركا العظيمة»، والتي يريدها ترمب أيضاً لكنه لا يجيد التعبير عنها جيداً. لكن الرئيسة القادمة للولايات المتحدة ستجد نفسها تتعامل مع عالم تغير ويتغير عن عهد سلفيها الديمقراطيين (بيل وباراك)، عالم لم تعد الولايات المتحدة قطبه الأوحد، ولم يعد حلفاؤها وتابعوها في أوروبا وآسيا وأفريقيا نفس الحلفاء والتابعين السابقين، بل شركاء في عالم تتبلور فيه ملامح ثورة قادمة ضد القديم ومن أجل التغيير، حتى في بلادها العظيمة.