يعد «روس كامينسكي»، رجل إعلام بارعاً، وهو يدير برنامجاً حوارياً جريئاً في قناة إذاعية محلية تبث من مدينة «دنيفر» بولاية كولورادو تُدعى «حديث الإذاعة» أو «توك راديو» Talk Radio، ولكنّه يواجه الآن مشكلة عويصة لأن كثيراً من مستمعي قناته الذين يقدر عددهم بالآلاف، يحبّون دونالد ترامب، ولكنّه هو لا يحبه أبداً. وقد توجهت بسيارتي إلى بيت «كامينسكي» الذي يتوسط مزرعة واسعة تنبسط على تخوم منطقة غابيّة جبلية في بلدة «نيدرلاند» بمقاطعة «بولدير»، حيث يعتبر «كامينسكي» واحداً من حفنة محافظين متشددين قليلي العدد، والشيء الذي دفعني للقيام بهذه الزيارة هو إعجابي بما تبثّه القناة. وكان يرافقني في هذه المهمة الصحفية ثلاثة زملاء هم «ليمبوغ» و«هانيتي» و«بيك»، وأعترف بأن ذكاءهم وبلاغتهم في تناول المواضيع السياسية هي التي جعلت قيادة السيارة لهذه المسافة الطويلة أمراً هيّناً، وقد علمني هؤلاء كيف أفكّر وفق الطريقة التي يفكر بها الأميركي المحافظ على رغم أنني لا أشعر عادة بالرضى عن نفسي عندما أفكر وفق هذا النهج. وأجد من نافلة القول الإشارة هنا إلى أن قناة «توك راديو» تمثل منتجاً ترفيهياً ناجحاً، ولكنني لست مقتنعاً بأن العدد الكبير من مستمعيها ينتمون إلى الخط المتشدد في الحزب الجمهوري. وكان «كامينسكي» تاجراً، ولكنه فضّل الانتقال إلى ولاية كولورادو قبل 12 عاماً. واستطاع أن يكوّن لنفسه اسماً معروفاً كمدوّن محافظ، وبدأ يتلقى الدعوات المتتابعة لاستضافته في الأحاديث والحوارات التي تبثها محطات الإذاعة المختلفة باعتباره متحدثاً بارعاً، ثم كمضيف للمتحدثين والمتحاورين. ومؤخراً، عمد «كامينسكي» إلى استغلال فقرته الإذاعية الصباحية التي تحظى بمتابعة الكثير من المستمعين، لشنّ حرب شعواء على ترامب. وقال في برنامج استضافه ذات مرة في معرض هجومه على ترامب: «إنه يذكرنا بما كان عليه السياسيون الألمان والإيطاليون في أعوام عقد الثلاثينيات من القرن الماضي (فترة الحكم النازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا)، ولو دققنا في المفردات التي يكثر ترامب من نطقها مثل: قوي، ضعيف، ربح، خسارة، لاستنتجنا بسهولة أن كلامه لا ينطلق من مبدأ محدد». وسرعان ما اكتشف «كامينسكي» أن كثيرين من مستمعي برنامجه لا يأبهون أصلاً للمبادئ عندما يتعلق الأمر بتأييد ترامب. ويعبر «ليمبوغ» عن هذا الواقع بكلمة أخرى يصف من خلالها أنصار ترامب بأنهم «ناخبون من ذوي الثقافة الضحلة». ويقول «كامينسكي»: «لا أعتقد أنني خسرت بعض المستمعين لمحطتي لمجرد أنني كثير الانتقاد لدونالد ترامب. وكل يوم تصلني رسائل إلكترونية من أنصاره تصفني بأنني مجنون حقاً لأنني أتبنى هذا الموقف المعادي لترامب، ولأنني لن أصوّت لصالحه لو تم ترشيحه لانتخابات الرئاسة، وبأنني سأتحمل نتائج الخطأ الذي سأرتكبه لو منحت صوتي لهيلاري كلينتون». وكان صديقاي «ليمبوغ» و«هانيتي» يؤيدان ترامب في حملته. وذهب الأمر بـ«هانيتي» إلى حدّ الإشادة به لمجرّد كونه مرشحاً يفتقر إلى المنهج السياسي الواضح، وأطلق عليه وصف «المرشح المثير للإعجاب». وأما «بيك»، فقد كان شديد الكره لترامب، وقد سخّر حملته الدعائية لصالح «تيد كروز». وفي مقابل ذلك، نطق محلل إذاعي يدعى «ليفين» بخطاب هستيري وصف من خلاله ترامب بأنه «رجل دولة» على غرار رونالد ريجان. على أن هذا التناقض بين آراء المضيفين الإذاعيين لا يصبّ في مصلحة الجمهوريين، ويجعل من العسير على القاعدة المحافظة الاصطفاف وراء مرشح محدد. وبما أن ترامب أصبح مقبولاً في أوساط المستمعين لإذاعة «توك راديو» من ذوي الأصوات العالية والمواقف المتطرفة، فإن ذلك يفسر السبب الذي جعل «كامينسكي» يتلقى تلك الرسائل الإلكترونية والمكالمات الهاتفية التي تعبر عن الغضب منه. وهو يقول في هذا الصدد: «سيندمون على ذلك لاحقاً. وإذا أصبح ترامب رئيساً، فسيكون هناك الكثير مما يمكن أن يُقال، وأما ما يمكننا قوله الآن فهو أن أميركا ستكون ذاهبة نحو الجحيم لو حدث هذا الأمر». ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»