ترى دولة الإمارات العربية المتحدة أن القيام بتجديد العناصر القديمة غير الملائمة في ثقافتها الاجتماعية السائدة، بالإضافة إلى تضمين عناصر جديدة فيها، اتجاه نحو نمو تلك الثقافة وسيرها صوب المستقبل بقوة واتزان وثقة. هذه العملية تعني تطوير الثقافة، وتعني وجود إمكانية لصقلها في إطار عصري ملائم مع الاحتفاظ بجوهرها الأصيل كجذوة أو مركز محوري ترتكن إليه تلك الثقافة في مسيرتها. لذلك فإنه يجب أن ينظر إلى الإمكانية نحو التطور في إطار عريض يأخذ في اعتباره جميع المتغيرات التي تأتي في صيغ مفاهيمية تتعلق بالأولويات التي يحددها مجتمع الإمارات، والإمكانيات التي يمكن له توفيرها، ودرجة الاهتمام التي يوليها للمخاطر التي يمكن أن تصاحب التطور الحاصل. وما أرمي الإشارة إليه من ذكر المخاطر هو القول بأنه إذا ما ترك تطور الثقافة دون وجود رقابة واعية وقنوات مفاهيمية منطقية أو ذات علاقة بالمفاهيم المحددة الواضحة، فإن الخوف الحقيقي ينبعث من أن يأتي الوقت الذي تصبح فيه الثقافة وهي تسير نحو التراجع عوضاً عن أن تصبح شأناً إيجابياً يجني من خلاله الوطن الإماراتي والإنسان الذي يعيش على أرضه الثمار الطيبة المرجوة. وعندما نتحدث عن تطور الثقافة الاجتماعية الإماراتية يصبح من الأنسب توضيح معنى الثقافة ومعنى التقدم والنمو أو التطور الثقافي الإيجابي، وفي أي اتجاه يسير ذلك التطور. وقبل الابتعاد عن هذه النقطة لابد من الإشارة إلى أنه إذا ما كانت توجد صعوبة في القيام بالأعمال التحليلية للنقاط سابقة الذكر، فإن عملية تعريف الثقافة في حد ذاتها هي أصعب تلك الأعمال على الإطلاق. ولضرورات تتعلق بوضوح المفاهيم والأفكار، فإن من المناسب القيام بالتحليل المطلوب عن طريق تقسيم التحليل الثقافي إلى أربعة أقسام رئيسية هي: النمو الثقافي - الاجتماعي، والثقافة ذاتها، والنمو الثقافي المجرد، وأخيراً الدور المتعلق بالسلطة السياسية في حركة التطور الثقافي، وهذا شأن مطول يحتاج إلى مقام آخر. ومن جانب آخر، يوجد ارتباط وثيق بين تطور الثقافة والتعليم، ويعتبر التعليم جزءاً أصيلاً وعضوياً من جسد الثقافة الاجتماعية، فالتعليم يستخدم كوسيلة لنقل القيم الثقافية من جيل إلى آخر، وذلك في نفس الوقت الذي تكون فيه الثقافة روحاً تبث الحياة والبهجة في التعليم، وإطار عمل يضم بين أضلاعه كل فكرة وكل مبادرة من أفكار ومبادرات حقل التعليم. حيث إن التعليم يهتم أساساً بنمو وتطور الإنسان، فإن الثقافة يجب أيضاً أن تعيش وتنمو وتتطور. وعليه فلكي يتطور الإنسان ذاته، توجد ضرورة ملحة لتطوير الثقافة، تماماً كما هو الحال بالنسبة لوجود ضرورة لتطوير الاقتصاد الذي يحرك موارد المجتمع، وتطوير التكنولوجيا التي يستخدمها المجتمع. لذلك فإن الثقافة في حد ذاتها يجب أن تكون عملية حية وديناميكية ومتحركة. وأخيراً، فإن الأمم التي تترك ثقافاتها لكي تتجمد، وتكتفي أو تقتنع كلية بتحويل الثقافة إلى جزء من تراث الماضي ليس إلا، دون أن تطورها وتضيف إليها إضافات خلاقة، هي أمم قد تصبح واقعة بعمق سحيق وراء ظهر التحديات التي تواجهها في إطار حركة التاريخ التي تسير عجلتها دائماً نحو الأمام، وقد يتم تجاوز تلك الأمم، بل ويمكن أن تسحق تحت وطأة التقدم والتطور. ونظراً لتنبه دولة الإمارات، كأمة متحضرة تسير نحو التقدم لمطالب التنمية على الصعد الاجتماعية والاقتصادية كافة، فهي تقوم بشكل واقعي بتضمين العديد من العناصر الجديدة في قوالب ثقافتها العريقة، وبتجديد بعض العناصر القديمة التي لازالت تعيش في هيكل ثقافتها الاجتماعية، والتي أصبحت غير ملائمة لعصرنا الحاضر، بهدف تطويرها أو حتى إلغائها إن أمكن ذلك، دون المساس بالجوهر.