في خضمّ هذا الغليان الذي يعم منطقة الشرق الأوسط، التي أصبحت مسرحاً لحروب متعددة، وحلبة ينشط فيها العديد من المجموعات الإرهابية، ومع تزايد عدد الدول المنخرطة في تلك الحروب، لم يعد ثمة من شك في أن الوضع الأمني في إسرائيل قد تغيّر. وأما الشيء الذي لم يتضح بعد على النحو الكافي، فيتعلق بالتساؤل عما إذا كانت إسرائيل قد أصبحت أكثر أم أقل أمناً نتيجة لهذه الأحداث العاصفة. والآن، يتعرض الإسرائيليون أحياناً لهجمات ينفذها شبّان فلسطينيون. ولكن، ونظراً لأن هذه الممارسات لا تقف وراءها حركات منظمة، فإنها لا تخرج عن كونها مجرد انتفاضة من الحجم الصغير قد لا تشكل خطراً محدقاً في نظر الإسرائيليين. ولعل الشيء الأكثر إثارة لانشغال إسرائيل هو مواصلة «حماس» لبناء المزيد من الأنفاق التي أثبتت فعاليتها في المساعدة على اختطاف إسرائيليين، وهو ما أدى إلى احتقان الأوضاع الأمنية أكثر. وتدور الحرب السورية الآن على تخوم الحدود مقابل إسرائيل. ولا تبعد حيفا التي تعد ثالث المدن في إسرائيل إلا بنحو 144 كيلومتراً عن العاصمة السورية دمشق. ويمكن لآلاف الإسرائيليين أن يسمعوا وهم في بيوتهم صوت قذائف المدفعية التي يتبادلها المتصارعون على أرض سوريا. ويعد القتال الدائر في سوريا مؤشراً على مدى التعقيدات الكامنة في محاولة تقدير العواقب الناتجة عن الاضطراب الذي يسود العالم العربي على أمن إسرائيل. خاصة لأن هذه الحرب جلبت إلى حدودها مقاتلين من إيران التي تعد العدو الأكثر خطورة. ويضاف إلى ذلك أنها أتت إلى المنطقة بتنظيم «داعش» الإرهابي الذي أعلن عن نيته المبيّتة بنقل ما أسماه «الحرب الجهادية» إلى إسرائيل ذاتها. وفي حقيقة الأمر، يمكن القول إنه قد دشّن الطريق إلى هناك عبر وجوده في قطاع غزة. وفي الوقت ذاته، استقطبت الحرب السورية العديد من الأطراف الأخرى العدوة لإسرائيل. ولم يقتصر الأمر على التدمير المتبادل للقوى التي تمتلكها هذه الأطراف، والتي كان من المفترض أن يتم توجيهها للحرب ضد إسرائيل ذاتها، بل إنه أدى إلى إضعاف تلك الأطراف من دون استثناء. وفيما يتعلق بما يسمى «حزب الله»، فمن المعروف أنه يمثل ميليشيا لبنانية عميلة لإيران تقاتل في سوريا إلى جانب نظام بشار الأسد. وكل من إيران و«حزب الله» يستميتان لإنقاذ الأسد. ويدفع الحزب ثمناً باهظاً للدفاع عن النظام السوري. ووفقاً لبعض التقديرات، لقي الآلاف من أعضائه حتفهم في سوريا. وفي هذا الوقت، أصبحت سوريا نفسها التي تعدّ «من الناحية الشكلية أو الرسمية» في حرب مع إسرائيل، في حالة من الدمار والخراب. ويضاف إلى كل ذلك أن استفزازات إيران قد تدفع بعض الأنظمة الإقليمية التي ترى في إيران الخطر الأكبر على أمنها، إلى إعادة النظر في مواقفها. وعلى المدى القصير، يبدو بوضوح أن هذه الأوضاع جعلت إسرائيل أكثر أمناً. ويستند هذا الحكم بدرجة أساسية على الحقيقة القائمة بأن بعض أعداء إسرائيل منشغلون الآن في الحرب السورية، ويستهلكون فيها ترساناتهم من الأسلحة. ويكمن السبب الآخر في أن الحسابات الإقليمية جعلت مشاعر الكراهية لإسرائيل تتأخر في أولوياتها عن كراهية الأطراف المتصارعة لبعضها بعضاً. وقد تحدثت بنفسي مع عرب من غير الفلسطينيين خلال السنتين الماضيتين، وقالوا لي إن إسرائيل مشكلة تتعلق بالفلسطينيين، وليس بهم. وينطوي هذا الموقف على تغير جذري من وجهة النظر الإسرائيلية. وبغض النظر عن النهاية التي سينتهي إليها الأسد، فإن الأوضاع التي سيصبح عليها تنظيم «داعش» الإرهابي قد تكون لها تداعياتها الملموسة على أمن إسرائيل. ويمكن لانهيار عملية السلام مع الفلسطينيين وتنصل الفلسطينيين من تأييد بعض قادتهم، أن يخلقا التربة الخصبة لتغلغل تنظيم «داعش» في المنطقة. وهو الأمر الذي سيقضي على ما تبقى من فرص لتحقيق السلام. وهناك أيضاً الصفقة النووية الإيرانية التي يمتد بعض بنودها لأكثر من 10 أعوام، وبعضها الآخر لـ15ـ عاماً، ويعتمد تنفيذها على المصير الذي سيؤول إليه تنظيم «داعش». وربما تؤدي الأحداث اللاحقة إلى ظهور دولة إيران النووية التي يقال إنها معادية لإسرائيل! ------------- محللة أميركية متخصصة في السياسات والعلاقات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»