كيف يتم استدعاء نموذج الاتحاد الأوروبي في عرض السياسات الخارجية لتركيا وتبريرها وتنفيذها؟ وكيف تفهم الأطراف الفاعلة في السياسة الخارجية التركية متطلبات الاتحاد الأوروبي؟ وكيف تستدعيها بغية تبرير سياسة أنقرة الخارجية وتفسيرها حيال الشرق الأوسط، في السياقين المحلي والإقليمي؟ في كتابهما الذي نعرضه هنا، وعنوانه «استدعاء النموذج الأوروبي في السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط»، يتبنى الباحثان الأكاديميان التركيان «دفني جوناي» و«كان ريندا» منهجاً اجتماعياً في تناولهما مسألة تبني النموذج الأوروبي، ويذهبان إلى القول بأن استدعاء الاتحاد الأوروبي في رسم السياسة الخارجية التركية حيال الشرق الأوسط يتفاوت تبعاً لاختلاف السياق وملابساته الداخلية والخارجية. وإلى جانب مفهوم الاستدعاء الذي يلقي الضوء على التفاعل بين السياق الاجتماعي والفعل الاستراتيجي، يركز الكتاب أيضاً على فكرة التلاؤم أو التكيف الاجتماعي مع متطلبات عضوية الاتحاد الأوروبي والإطار الناظم لسياسته الخارجية. ولا يتوقف الأمر هنا على مجرد التجاوب مع متطلبات السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد، بل يشمل بعداً آخر يتمثل في إعادة تشكيل الهوية، من خلال التلاؤم مع المعايير الاجتماعية للاتحاد بمرور الوقت. ويقدم الكتاب مناقشة متعمقة لتبني النموذج الأوروبي في السياسة الخارجية لدى الدول الأعضاء والدول المرشحة لعضوية الاتحاد، ويبين كيف أن الخطاب يحدث فرقاً ملحوظاً في الفعل الاستراتيجي والسياق الاجتماعي معاً. كما يستعرض الخصائص العامة لسياسة تركيا الخارجية تجاه منطقة الشرق الأوسط منذ قمة الاتحاد الأوروبي في هلسنكي عام 1999، والتي شهدت إعلان تركيا دولةً مرشحة للانضمام إلى الاتحاد، مع التوقف عند «سياسة صفر مشكلات مع الجيران» التي أعلن عنها «حزب العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا. ويعتقد المؤلفان أن تبني النموذج الأوروبي لم يؤد إلى خلق تركيا موالية للاتحاد الأوروبي، بمعنى شعور السياسيين الأتراك بأنهم أوروبيون ملتزمون بالمثل والمعايير والقيم الأوروبية. كما يبرزان كيفية استدعاء النموذج الأوروبي تركياً وعملية انضمام تركيا إلى الاتحاد كاستراتيجية من استراتيجيات الخطاب من أجل تنفيذ السياسة الخارجية التركية المتعلقة بالشرق الأوسط، حيث إن تنفيذ هذه السياسة يتطلب إضفاء الشرعية في السياق الداخلي، علاوة على إقناع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط. وقد رسم الساسة الأتراك صورة جديدة لتركيا عن طريق الإشارة إلى مساعيها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي، فاستخدموا رسالة تركيا الأوروبية لإقناع الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط بتحسين علاقاتهم مع أنقرة. وإلى ذلك، يوضح الكتاب أن نخبة حزب «العدالة والتنمية» كثيراً ما استدعت التجربة السابقة للاتحاد الأوروبي في مجال التكامل الإقليمي سياسياً واقتصادياً كمثال لرؤية الحزب في مجال السياسة الخارجية، والتي تطمح إلى إلغاء الحواجز التجارية في منطقة الشرق الأوسط، وتالياً وضع تركيا في موضع معين من خارطة القوة في المنطقة! محمد ولد المنى الكتاب: استدعاء النموذج الأوروبي في السياسة الخارجية التركية تجاه الشرق الأوسط المؤلفان: دفني جوناي وكان ريندا الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2015