نشأت زكية وعلي في مزرعتين متجاورتين بإقليم باميان الجبلي النائي، الذي وقعت فيه حادثة التفجير الشهيرة لتمثالي بوذا العملاقين على أيدي «طالبان» قبل 15 عاماً. وكانت زكية وعلي يلعبان ويلهوان عندما كانا طفلين يرعيان غنم عائلتيهما في سفوح الجبال، ولكن بعد بلوغهما، منعتهما العادات والتقاليد الصارمة من أن يكون بينهما أي اتصال. ومع ذلك، تمكّن علي بطريقة ما من إرسال هاتف متحرك إليها خلسة وأقدم على خطوة غير مسبوقة تتمثل في طلب يدها من والديها للزواج عن حب. غير أنه لما كان ينتمي لطائفة الهزارة الشيعية وهي من الطاجيك السنة، رفضت عائلتها المصدومة عقد قرانهما. وقصة هروب العاشقين بعد ذلك، وحياتهما في حالة هرب دائم، ومحاولات عائلة زكية قتلها -بسبب العار الذي جلبته لهم من خلال علاقة غير مقبولة- هو ما يرصده كتاب «العاشقان: روميو وجولييت الأفغانيان، القصة الحقيقية لكيفية تحديهما لعائلتيهما وفرارهما من جريمة شرف» الذي صدر مؤخراً لمراسل صحيفة «نيويورك تايمز» في كابول «نود نوردلاند». ولكنّ في قصة علي وزكية تمثل أيضاً تذكيراً بأن «جرائم الشرف» ما زالت منتشرة بكثرة في حزام يمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى باكستان، ولاسيما في المجتمعات المسلمة. ويثير الكتاب أسئلة أخلاقية شائكة تتعلق بما إن كان بوسع الأجانب -كالأميركيين مثلاً- المساهمة في محاربة هذه الممارسة الشائنة وكيفية ذلك، وما إن كان تدخلهم يجعل الأمور أحسن أم أسوأ. بيد أن ثمة القليل جداً من قواعد البيانات بخصوص «جرائم الشرف» في العالم لأنه قلما يتم التبليغ عنها، ذلك أن النساء تستهدفن من قبل أقاربهن بسبب أمور مثل رفضهن زواجاً مرتباً، أو طلبهن الطلاق، أو خيانتهن الزوجية المفترضة، أو حتى اختلاس النظر إلى رجل غريب. بل إن حتى الاغتصاب يمكن أن يكون سبباً لـ«جرائم الشرف» أحياناً، حيث قد يلقى اللوم على المرأة التي تحمَّل مسؤولية جلب العار للعائلة لأنها «أغرت» المغتصِب! وتقول كاثرين واريك، أستاذة العلوم السياسية بجامعة فيلانوفا التي درست هذا الموضوع: «إن الأرقام الرسمية هي دون الأرقام الحقيقية في معظم البلدان، ولا أحد يصدق أن تقارير جهات إنفاذ القانون في هذا الموضوع يمكن الاعتماد عليها». وكانت تقديرات الأمم المتحدة أشارت في 2000 إلى أن 5 آلاف امرأة يقعن ضحايا هذا النوع من الجرائم سنوياً، ولكن منظمات حقوق الإنسان تعتقد أن العدد الحقيقي ربما يمثل أربعة أضعاف هذا العدد المعلن. وفي باكستان وحدها، تقدّر هذه المنظمات أن العدد السنوي يتراوح بين 3 آلاف و4 آلاف بينما تشير الإحصائيات الرسمية إلى ألف حالة فقط. غير أن القتلة عادة ما يفلتون من العقاب عن جرائم القتل التي يرتكبونها، وهو ما يشجّع على ارتكاب مزيد من تلك الجرائم. وتؤكد «واريك» أن «جرائم الشرف لا سند لها في الشريعة الإسلامية البتة»، ولكن التفسيرات الخاطئة للدين والمعتقدات الثقافية التقليدية عادة ما تدعم القتلة. وكذلك تفعل المحاكم والشرطة المحلية أيضاً. فوفق أحكام القانون المدني في بلدان مثل أفغانستان وباكستان، يمكن سجن امرأة بسبب «سوء أخلاقها». وإذا قام قريب لها بطعنها حتى الموت، فإن تلك العائلة نفسها تسامح القاتل. وبعبارة أخرى، فإذا قتل شقيق شقيقته بسبب انتهاكها المفترض لـ«شرف» العائلة، فإن والدته أو والده يمكن أن «يسامحاه» فيعود للمنزل حراً طليقاً! ومن الواضح أنه ما من أمل بالنسبة للنساء من ضحايا هذه الجرائم إلا إذا أعيد النظر في مثل هذه القوانين. وكتاب «نوردلاند» يثير أيضاً السؤال الصعب المتعلق بما إن كانت الدعاية تساعد الضحية أو تضرها. وقد علم «نوردلاند» بقصة زكية وعلي من مديرة الشؤون النسائية في باميان فاطمة كاظمي التي بعثت له رسالة عبر البريد الإلكتروني تستنجده فيها وتطلب مساعدته. فقد كانت المحكمة المحلية قد حكمت ببطلان وضع كاظمي لزكية في ملجأ للنساء. ولو لم يتدخل «نوردلاند»، لكانت العائلة قد أخرجت الشابة من الملجأ وربما قتلتها. ولكن الدعاية اللاحقة في صحيفة «ذا تايمز» أكسبت قصة زكية وعلي شهرة ومكّنت عائلتها من الاستمرار في تعقبها. فخرج «نوردلاند» عن دوره الصحافي وساعدهما بالمال، ولكنهما اضطرا للعيش في حالة هرب دائمة. وبأخذ كل جوانب هذا الموضوع في عين الاعتبار، أميلُ شخصياً للقول إن الدعاية شيء جيد لأنها قد تحرج الحكومات وتدفعها للقيام بشيء ما. كما أعتقد أيضاً أن ثمة طرقاً أخرى يستطيع الأجانب أن يقدموا بها المساعدة: فأولًا، على وكالات المساعدات الدولية اجتراح مشاريع لتعليم الرجال وتوعيتهم بشأن قيمة معاملة نسائهم معاملة لائقة. ثانياً، ينبغي على المسؤولين الأميركيين -الذين ينفقون الملايين في الترويج لحقوق النساء في أفغانستان- أن يواصلوا دعم النساء الأفغانيات اللاتي يجازفن بحياتهن من أجل هذه القيم. وأخيراً، على الولايات المتحدة أن تسخّر تأشيراتها لخدمة القيم التي تدافع عنها. فالمسؤولون الأميركيون يتباهون بدعمهم للنساء الأفغانيات، ولكن السفارة الأميركية في كابول لم تُبد أي اهتمام بمنح زكية وعلي تأشيرتين إنسانيتين، كما يقول «نوردلاند». ونتيجة لذلك، فإنهما ما زالا يعيشان في باميان مختبئين، وقد يواجهان الموت الأكيد عندما تعثر عليهما عائلتاهما. والحال أن أميركا تستطيع بكل تأكيد القيام بما هو أفضل من ذلك لمساعدتهما. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون نيوز سيرفس»